قصة سمعتها على لسان إحدى الصديقات العزيزات، عن رجل وُلد ولادة عادية ونشأ نشأة عادية، ودرس دراسة عادية وعمل عملا عاديا، وتزوج امرأة عادية وأنجب منها أطفالا عاديين ورباهم تربية عادية، وتقاعد تقاعدا عاديا، ومات ميتة عادية... ثم سألتنا عن رأينا في هذا الرجل وفي ما قدّمه للآخرين، طوال فترة حياته منذ الولادة الى الموت؟ وكانت النتيجة في رأينا خروج هذا الرجل من الدنيا صفر اليدين من دون أن تكون له بصمته أو تخليد لاسمه، متخذا شعارا له يبدأ مطلعه: «رحم الله امرئ عرف قدر نفسه»!
أما أنا فعندي قصة عن رجل غير عادي دخل حياتي وحياة الكثير ممن أعرفهم، وأثّر فينا تأثيرا غير عادي، وخرج من حياتنا خروجا غير عادي. نراه دائم العمل ودائم القراءة، وكذلك لا نسأله عن شيء الا وأجابنا اجابة مبهرة تساعدنا في العمل والحياة.
علّمنا حب العلم والعمل واحترام الوقت واحترام أفكار الآخرين، وأدخلنا في شتى العلوم والدراسات، وطار بنا في دنيا التدريب وتنظيم الفعاليات، ولم يتوقف بل عرفّنا على الكثير من الأمور المذهلة التي دخلت حياتنا ولم تفارقنا منذ أن أدخلها علينا.
كان كل سبت يجتمع بنا ويشجعنا على تقديم المحاضرات، فتارة نناقش فيه تنظيم الفعاليات، وتارة نسمع فيه معلومة جديدة في أمور التدريب وتنظيم الفعاليات، ويوم آخر يمر بمعنويات مرتفعة لدينا عن علم الطاقة، وكل يوم شيء جديد في حياتنا يرتبها لنا هذا الشخص، ولكن لم ندر من هو هذا الشخص الا من خلال اسمه وبسمته التي تمنحنا الطمأنينة والسلام، فاسمه هو عبدالسلام!
مرت الأيام تلو الأيام ونحن نتطور من خلال هذا الشخص العظيم، الى أن جاء ذلك اليوم الذي انكشف لنا بعض الغموض الذي يدور حول هذا الدكتور، فعلمنا بأن اسمه ليس الاسم الذي نعرفه به، وجنسيته ليست حقيقية بل جنسية وهمية أقنعنا بها، وما لم نصدقه هو أن الشرطة الدولية «الإنتربول» قبض عليه لأسباب مالية!
ولكن هل هذا كله يؤثر في حبنا له واحترامنا لشخصه، أم ان ما قام به شيء مشين وعظيم ولا يغتفر؟
بصراحة، لا شيء في الدنيا سيغير نظرتنا الى عبدالسلام، فمهما كان اسمه أو مهما تغيرت جنسيته، سيبقى دائما ذلك الأب الروحي الذي عرفناه وتعلمنا على يده فنون من العلم والمعرفة، وان كان مذنبا أو بريئا فهذا شأنه، وما نستطيع من أجله الا الدعاء له بأن يفك الله ضيقه في سجنه، ولكن بصمته من خلال العلم الطيب الذي علمنا اياه ما زالت محفورة في أذهاننا وعقولنا.
أتمنى أن تصل هذه الكلمات اليه لتخبره عن اشتياقنا له وحزننا عليه؛ فهو أثبت لنا بأنه انسان غير عادي فعلا، وأنه تخّلد في ذاكرتنا وذاكرة غيرنا من البحرينيين وغير البحرينيين، وما زلنا نحمل تلك الصورة الجميلة عنه التي لن تتغير بتغير الظروف والأحداث، انه ما زال ذلك الجبل الشامخ الذي سيقهر الصعاب وسيتغلب عليها مهما عظمت.
وقد يمر عليكم في يوم ما شخص غير عادي مثل عبدالسلام، ويذهب مع الريح التي أتت به، ولكن ما يبقى منه من تأثير على النفس والعقل هو الذي يجعله انسان غير عادي في حياتكم!
ونتمنى من كل بحريني أن يفكر جيدا في المستقبل، وأن يضع الإطار الصحيح لحياته، حتى يكون انسانا غير عادي في حياة أبنائه والمحيطين به وبلده، وان تعثّر قليلا في شق البصمة التي يريدها أن تكون في ذاكرة التاريخ.
إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"العدد 2091 - الثلثاء 27 مايو 2008م الموافق 21 جمادى الأولى 1429هـ