يجد جيل تركيا من الزعماء، الذين بدأوا بالظهور، يجد نفسه وقد أوكلت إليه مجموعة من قضايا السياسية الخارجية والمحلية المعقدة الصعبة، في السنوات المقبلة. في مواجهة هذه المسئولية الآنية يبقى الكثير من الشباب ساخرين متهكمين في ما يتعلّق بالأحداث التي بدأت تتبلور حولهم. لقد ساهمت قضية المحكمة ضد حزب العدالة والتنمية، وردود فعل الشرطة الأخيرة على مظاهرات يوم العمّال في 1 مايو/ أيار في إفشال الجو لمجموعات المصالح المختلفة في إيجاد أرضية مشتركة.
يجد المجتمع التركي نفسه على مفترق طرق على مرأى من وطن متناغم يتعرّض لتحديات من مختلف العناصر الاجتماعية وخصوصا في أوساط جاليات الأقليات التي تنادي بالمزيد من الحريات الثقافية والنمو الاقتصادي.
يسود جو من عدم الثقة وخيبة الأمل بين الفقراء الذين يشعرون بالعزلة من حماية الدولة. الأقاليم الريفية في تركيا متخلفة إلى درجة كبيرة إذا ما قورنت بالمناطق الحضرية، إذ تتضاعف معدلات الفقر في الريف. وتعزز الوتيرة البطيئة للتنمية المستدامة الاستثناء الاجتماعي الاقتصادي لأقسام مهمّة من المواطنين الأتراك، وبالذات الأكراد الذين يعيشون في الجنوب الشرقي.
خلال العقود القليلة الماضية شهدت تركيا عملية هجرة داخلية كبيرة من المناطق الريفية إلى المدن، الأمر الذي عكس التقدم في تركيا وشكّل تحديات أمام التكامل وشكل ضغطا على المناطق الحضرية الرئيسية الأربع: إسطنبول وأنقرة وإزمير وبورصة.
تملك تركيا حاليا عددا محدودا من الاحتمالات التي تسمح لمجالات واسعة من الشباب بالمشاركة في الحوارات السياسية الأجنبية والمحلية. تستطيع مؤسسات التعليم العالي ومنظمات المجتمع المدني أنْ تساعد في تغطية هذه الفجوة من خلال دعم المبادرات القائمة مثل حركة آري والشباب من أجل الموئل Youth for Habitat ومركز خدمات الشباب. وهناك في الولايات المتحدة تقليد طويل الأمد للاستثمار في برامج ومراكز توفر المعلومات والتدريب وتقوم بتثقيف الشباب بعد الغرف الصفية.
وكنقطة انطلاق يتوجّب على مؤسسات التعليم العالي وضع استراتيجية شاملة لتقوية الشعور بالمواطَنة والحكم والقيادة والمسئولية الاجتماعية بين الشباب من خلال توفير: التدريب في مجال حل النزاع والمسئولية الاجتماعية، القيادة والاستقطاب التعاوني وورش عمل الاتصال عبر الثقافات، نشاطات محاكاة تركز على صنع القرار الجامعي ومهارات حل المشكلات.
وحتى يتسنّى توسيع فهم مبادئ ومؤسسات الديمقراطية التشاركية يتوجب على منظمات المجتمع المدني والمؤسسات التعليمية أنّ: تنظم لقاءات مع ممثلين من مختلف فروع الحكومة ومستوياتها، تشجّع دور الشباب في المجتمع الديمقراطي مع ممثلين من الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية الموجهة للشباب، تشجّع التفاعل مع المنظمات المدنية والمجتمعية. تشارك في تبادل الآراء حول دور الإيمان والهوية والثقافة في المجتمع.
و يتسنى تشجيع تواصل وتفهم أفضل في أوساط الشباب الأتراك وكذلك بين النظراء الأتراك والأجانب من الأساسي عمل ما يلي: تخصيص موارد مالية كبيرة لدعم المشاريع المصممة للشباب، تعميم وإجراء ممارسات لبناء الفرق والمجموعات لزيادة الثقة بين المجموعات وزيادة التفاهم المتبادل، تجنيد وتدريب قادة في الحوار، دعم الشبكات القائمة.
تبقى الحوارات السياسية مستقطَبة وغير منتجة، الأمر الذي لا يترك للجيل الناشئ من القيادات مجالا لمشاهدة العملية البناءة للحوار والتسوية. ورغم أنّ التقرير المتقدّم لعام 2006 للمفوضية الأوروبية أبرز التطورات الإيجابية الناتجة عن البيئة الإصلاحية الأخيرة، فإنّ القول بأن «منظمات المجتمع المدني أصبح لها صوت أعلى نسبيا وأصبحت أفضل تنظيما، خصوصا منذ تبني قانون الجمعيات الجديد» صحيح، إلا أنّه ما زالت هناك حاجة لعمل المزيد لتشجيع شعور قوي بالمواطنة والحكم والقيادة والمسئولية الاجتماعية في تركيا.
وكما أشار إيان ليسر، الزميل الرئيس عبر الأطلنطي في صندوق مارشال الألماني في الولايات المتحدة، «العلاقة الإستراتيجية التي أعيد تنشيطها أمر ممكن ولكن الأرجح أنْ تكون لها ملامح مختلفة جدا، بأشكال جديدة من المشاركة وتوقعات أكثر واقعية. يمكن لتفاعلات بين الأفراد مباشرة، وخصوصا في المجتمع المدني، أن تعيد تنشيط العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، والتي أصيبت بأضرار كبيرة بعد الغزو الأميركي للعراق العام 2003.
حتى يتسنّى بناء علاقة صحية أكثر بين تركيا والولايات المتحدة يتوجب اتخاذ خطوات واسعة لتسليح القادة الأتراك الذين يظهرون بالمهارات والمعرفة المطلوبة للانخراط في حوار بناء مع أصحاب مصالح واهتمامات محليين ودوليين متنوعين.
* منسقة البرامج في مبادرة السياسة العامة التركية الأميركية وبرنامج «ألمانيا تقابل تركيا» في مركز إسطنبول للسياسة، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2091 - الثلثاء 27 مايو 2008م الموافق 21 جمادى الأولى 1429هـ