إنها ليست أكبر مأساة في الكون... ولكنها قضية بشر غرباء في أوطانهم.
ما أسوأ أن يبخل على الإنسان بكلمة «مواطن» وهو في وطنه؟
كان المحرومون من حق المواطنة، وما زالوا، يعيشون الحرمان كل الحرمان في هذا المجتمع، ضاقت بهم السبل... وصمتٌ رسمي مطبق، على رغم أن ما يجري هو مخالف للدستور... للميثاق... للقانون ولكل عرف إنساني يقيم وزنا لأي بشر.
لا مسوغ إطلاقا لأن يستمر هذا الحرمان بحقهم، ومن المعيب ونحن نتحدث عن المساواة والعدالة أن نستثني هؤلاء من كل شيء، قدموا كل الوثائق والإثباتات، ما زالوا ينتظرون تحت رحمة «القرار النهائي» بعد مضي أكثر من ثمانية أعوام على عهد الانفتاح.
حق المواطنة - هو أم الحقوق كما تعرفه النظم القانونية - ومصادرته خرق كبير لكل المواثيق والعهود الدولية، إذ لا يحق لأحد سلب هذا الحق الطبيعي من إنسان مهما يكن... إنهم يتعرضون لسحق للإرادات ووأد الكرامات بلا ذنب اقترفوه.
«البدون» تعرضوا لمضايقات كبيرة في فترات التسعينيات، وقد شملهم ما شمل غيرهم بل أكثر بسبب التسفير القهري، على رغم أن الكثير منهم لم تكن له ناقة في السياسة ولا جمل.
إنها قضية أناس ولدوا وترعرعوا ودرسوا وتخرجوا ولا وظائف جيدة تقبلهم... تزوجوا وأنجبوا أطفالا معقدين حتى يصل الواحد منهم إلى شفا القبر دون أن يحمل يوما وثيقة أو هوية. وهذا وضع نفسي قاسٍ حيث المعاناة من الاحتقار والغربة والضياع في بلادهم.
عيشٌ بلا هوية ومن دون انتماء، عدم امتلاك الحرية الكاملة للسفر والتنقل للعلاج أو السياحة أو الدراسة، الحرمان من حق التصويت والانتخاب والترشيح، عدم القدرة على امتلاك عقار أو التقديم لقروض أو لقسائم سكنية، وكثير منهم يواجهون رفض تزويجهم لكونهم «بدون» والتي تساوي بالعربي الفصيح: لا مستقبل!
هؤلاء كانوا ضحايا لحقبة البطش الأمني، واليوم هم ضحايا أيضا في البحرين الجديدة، فبعد الانفتاح دخلت البحرين عهدا جديدا، وحلت أمور كثيرة بما في ذلك قضية هؤلاء. ونالت غالبيتهم العظمى الجنسية.
كنا نراهم في سنواتٍ خلت يقفون أمام دار الحكومة، ولكن خشية اختلاط الخيط الأبيض بالخيط الأسود يفضل غالبية المحرومين أن يعيشوا الحرمان حتى من دون جرأة على النطق، لا يستطيعون التعبير عن مأساتهم، وأبناؤهم ليسوا أفضل حالا منهم، وغالبية هذه الأسر يعيشون دون خط الفقر، وليس من حق أطفالهم أن يعيشوا كبقية الأطفال.
لم يتركوا سبيلا إلا سلكوه... ولم يخرجوا سوى بالوعود التي لا تتحقق أو التي لا يراد لها أن تتحقق... الحكومة، الشورى، النواب، الجمعيات السياسية، وسائل الإعلام... والجواب الوحيد: «إن شاء الله خير»!
ثمة من يسأل: أين دور الوجهاء؟ أين دور النواب؟ أين دور العلماء؟ أين دور الجمعيات الحقوقية والسياسية؟ صحيح... جميع هؤلاء مسئولون ومقصرون، ولكن ذلك لا يعني أن نعفي الدولة من مسئوليتها؛ لأن ليس بيد كل هؤلاء أن يمنحوا وثيقة حمراء لأحد سوى عبر القناة التي وفرتها الآلية الدستورية، فجلالة الملك وحده من له الحق في منح الجنسية أو سحبها.
الغريب أن أمر جلالة الملك كان قد شمل الجميع، فلم استُثني هؤلاء من المعادلة، أم سقطوا سهوا من قاموس الدولة... ربما يود هؤلاء لو كانوا قادمين من أقطار الأرض حتى يمنحوا الجنسية البحرينية التي ينالها غيرهم؟ هذه رسالة لمن كان له قلب!
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 2090 - الإثنين 26 مايو 2008م الموافق 20 جمادى الأولى 1429هـ