أكثر ما نجيده نحن البحرينيين في مسرحنا السياسي هو تفريغ الكلمات والمفاهيم السياسية من معانيها، ولذلك فقط، نستطيع أن نجعل الكثير من المفردات السياسية مفردات طبيعية وفي مستوى الاستهلاك من المستوى الأول داخل خطابنا السياسي حتى وإن كنا في حقيقة الأمر، بعيدين جدا عن تمثل مثل هذه المفردات والمضامين السياسية على أرض الواقع الذي نعيشه.

مثال ذلك على الأقل، ملف حقوق الإنسان في البحرين الذي طرأت عليه العديد من التطورات منذ العام 2001 وصولا لنجاح البحرين في الانضمام لمجلس حقوق الإنسان، وهو ما يجب أن ينتهي عند حقيقة قارة وهي أن البحرين توفر لمواطنيها جميع ما يتطلبه هذا المفهموم من اشتراطات ومعاني وقوانين وسياسيات وحتى ثقافات مجتمعية قارة.

هذا الكلام الذي يبدو انه أصبح بمثابة الحقيقة هو محض «هراء» لا أكثر، فالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والقوانين التي تضمن للمواطنين أن لا تمييز بينهم، كلها مضمامين ومفاهيم متداخلة ومتراصة، ولا يمكن لأي دولة - والبحرين منها - ان تدعي اكتمال هذه المنظومة فيما تعصف بأبنائها السياسات التمييزية الطائفية في أكثر من مؤسسة من مؤسسات الدولة. والتمييز هنا ليس سنيا ضد الشيعة فقط، بل هو في بعض الإطارات شيعي ضد السنة.

مثال ذلك الهراء أيضا، لا تزال الكثير من ملفات الفساد الإداري والمالي معلقة داخل أروقة القضاء البحريني، وإذا قمنا بتنشيط الذاكرة قليلا، سنجد أن بعض مسئولي الدولة ممن كانوا في طريقهم للعقاب جراء تعذيهم ونهبهم اموال أبناء البحرين، سنجدهم أحرار وطلقاء، تناست قضاياهم الصحف في متابعاتها الخبرية وصمت القضاء البحريني عنهم صمتا سياسيا لا تعليل له إذ لم ينته في حسم قضاياهم بقرار على رغم مرور الكثير من السنوات التي كانت تكفي لحلحلة أكثر القضايا الجنائية تعقيدا.

وفي سياق هذه المماطلات نجد انفسنا في كل مرة نتبجح بأننا بلد قوامه السياسي والاقتصادي مبني على الشفافية والمصارحة وأن لا أحد خارج غطاء القانون، وهو ما لا يعبر عن حقيقة ما يجري هنا البتة.

نستطيع جميعا أن نساير ونماطل نحو تمرير هذه الألاعيب على أنفسنا لسنوات، نستطيع أن نكذب الكذبة مرتين وأكثر حتى نصدقها، لكننا في المحصلة، لن ننتهي إلا بتزييف الكثير من المضامين التي كنا قد توافقنا وطنيا مع توقيع ميثاق العمل الوطني، على ضمانها وصيانتها والسعي لتحقيقها واقعا ملموسا على الأرض.