إعادة إنتاج الثقافة، لم يتعدّ كونه «نص عجز» يتم تأكيده في الكثير من النصوص سواء على مستوى تلقيها أو محاولة كتابتها. بل وتعدّى الأمر ذلك في نصوص الممارسة اليومية للحياة العربية!.
***
ماالذي تكشف عنه مقاطعة جزء من الثقافة الواحدة لجزء آخر منها؟ وماالذي يكشف عنه انفتاح ذات الجزء على مجمل ثقافة الآخر، بل ويعمد ذلك الجزء لتبرير جبل من المغالطات والتحريف، فيما هو يقتنص بل ويراكم ويصطنع المغالطات لدى الجزء الذي تنتمي اليه الثقافة الواحدة؟!.
***
هل نحن إزاء ثقافة تمر بذات الطور الذي مرّت به «دويلات الطوائف»؟ هل نستطيع الحديث عن عدد من الثقافات في الثقافة الواحدة؟ وعن فكر متعدد ناتج أو خارج على الفكر الواحد؟ وإزاء واقع كهذا كيف سيتسنى لتلك الثقافة والفكر أنْ يتحدثا مع الآخر عن ضرورة الحوار والمكاشفة فيما هما عاجزان عن الحوار مع نفسيهما ومكاشفة مايحيط بهما، والمتلقين لهما؟.
***
بعض المثقفين لا تختلف آدابه في التعاطي مع الإنسان إجمالا عن آداب السلطة في تعاطيها معه! بمعنى وجود تواطؤ يمكن تلمسه والإحساس به من خلال استعداد المثقف إيّاه للتحوّل إلى واجهة تذود عن مساوئ السلطة ولسان يأخذ بها إلى «مقعد صدق» تنتفي معه كل صور وأشكال المناورة التي وصمت بها السلطة طوال ممارساتها وحضورها!.
***
السلطة جيّرت السياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم والرياضة والتقنية... الخ كل ذلك يمكن استيعابه، ولكن أن يتم إدخال اللغة ضمن توجّه ومخطط ذلك التجيير فالأمر يكشف عن أنَّ كل تلك الحقول إنما هي عربة للسلطة واللغة دولابها المحرّك لكلّ ذلك!.
***
لا توجد ثقافة معاصرة اليوم ترجئ ممارسة الحريات والحقوق، مالم تكن متورّطة مع كيان هو على تماس مع التجهيل والتغييب والتعتيم... ممارسة الحرية والحقوق هي على النقيض من ذلك، هي تنوير وحضور وإبانة، وكأن إرجاء كهذا يحصّن نفسه؛ ليمعن في ممارسته من دون غطاء يحدّ من تجاوزها... بمعنى آخر هو محاولة للعودة بالإنسان إلى اللانظام واللاقانون... اللاممارسة العاقلة والهادفة إلى ممارسة تعيد الإعتبار إلى الأشياء فيما إعادة الاعتبار إلى الإنسان يظل محض مستحيل!. هل ثقافتنا في ممارستها اليوم تشير إلى شيء من ذلك؟.
***
الحرية ليست منحة تتلقاها الثقافة بامتنان كبير، هي الأصل، لذا فأي فصل بينهما هو محاولة للفصل بين الإنسان وبين المعنى الذي من أجله وجد، فتحقيق بُعْد الكينونة لا يتأتى بالشكل بل هو بالجوهر، والكائن لا يكتسب صفته تلك بمجموعة أطراف تشكل خلْقته بل يكتسبها بالحرية التي تتيح لتلك الأطراف تأدية دورها في الحب والحق والجمال والإنجاز.
ثم إن الحرية بذاتها ثقافة تعمل على تغذية ما ينتج عنها، بمعنى آخر هي «المشيمة» التي تتيح لذلك الكائن «الثقافة» أنْ ينمو ويصلب عوده وتصبح أية محاولة لقطع تلك العلاقة والتلازم بينهما هي محاولة لإنهاء دور كل منهما!.
***
محاولة النيل من الثقافة العربية كونها نشأت على أساس مزدوج: اللغة والدين، وبالتالي تماهت اللغة مع الدين ما منح الدين مرجعيته أولى ومطلقة للثقافة، فيه الكثير من المغالطة. من بينها: أن الدين وسّع من أفق تلك الثقافة وأتاح لها مساحات للتحرك، وهو مالم يتحه أي مصدر آخر. بمعنى آخر، إنّ الثقافة تلك في نشأتها وتكوينها وصورتها الأولى قبل الدين كانت ذات طيف واحد، فيما الدين منحها كل ذلك التعدد عبر ما أثاره من إعمال للعقل وتأكيد لقيمته. ولنا أن نسأل: هل كان الإنسان أيّ إنسان محورا لتلك الثقافة قبل الدين، أم أنها ظلت مغلقة على «إنسان عصبيتها»؟ فيما الآخر وضمن الدائرة الواحدة مقصى ومبعد ومغيّب، ناهيك عن إنسان «الدائرة الكبرى» خارج حدود المكان والوقت. ثم ما قيمة تلك الثقافة التي تنحاز لإنسان دائرتها فقط - ذلك إذا انحازت من الأساس - فيما الآخر في دائرة العدم؟.
***
في الوقت الذي «تنفي» فيه الثقافة الحوار، «تؤكّد» موتها؛ لأن جزءا من التدليل على الحياة هو قيام وتفعيل تلك القيمة، وهنا يكمن الفارق بين جثة، وعنفوان رياضي في مضمار للجري يذرعه جيئة وذهابا!.
***
الثقافة «تصدر» عن الذات. ولكن ماذا إذا كانت الذات تلك «مصادرة»؟ عندئذٍ لا يمكن إثبات أنها كانت هناك، ولا شيء يدل عليها!. ألا تكون الثقافة عندئذٍ ضربا من محيط مصاب بالصمم؟!.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 2090 - الإثنين 26 مايو 2008م الموافق 20 جمادى الأولى 1429هـ