لم يكن مفاجئا التئام قادة دول مجلس التعاون الخليجية يوم الثلثاء الماضي (20 مايو/ أيار) في الدمام لعقد قمتهم التشاورية العاشرة. ويعود السبب بالضرورة إلى احتفال شركة «أرامكو» السعودية بمرور 75 عاما على تأسيسها.
وتحتضن منطقة الدمام أهم مقرات الصناعة النفطية في المملكة وفي مقدمتها شركة «أرامكو» السعودية. كما أن الاحتفال بالصناعة النفطية في هذه الفترة يحمل الكثير من المعاني وذلك على خلفية استمرار ارتفاع أسعار الذهب الأسود.
تنفيذ السوق المشتركة
وكما كان متوقعا، أشاد البيان الختامي للقمة التشاورية بمشروع إنشاء جسر قطر والبحرين. وجاءت الإشادة في محلها لأن تشييد جسر (المحبة) عبارة عن تطبيق عملي لمشروع السوق المشتركة الخليجية، ويرتكز مفهوم السوق المشتركة على منح وسائل الإنتاج مطلق الحركة في التنقل بين الدول الأعضاء. وبدأت دول مجلس التعاون بتنفيذ متطلبات السوق المشتركة بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي في مطلع العام 2008.
يشتمل مشروع السوق المشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي على 10 مسارات، هي: 1) حرية التنقل والإقامة 2) العمل في القطاعات الحكومية والأهلية 3) التأمين الاجتماعي والتقاعد 4) ممارسة المهن والحرف 5) مزاولة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية 6) تملك العقار 7) انتقال رؤوس الأموال 8) المساواة في المعاملة الضريبية 9) تداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات 10) الاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية.
تميز قطري
وجاء توقيع عقد إنشاء الجسر في إطار اجتماعات الدورة الثامنة للجنة العليا للتعاون المشترك بين قطر والبحرين التي عقدت في وقت سابق من الشهر الجاري. ويتوقع أن يصبح الجسر جاهزا في العام 2013.
كما أشاد البيان الختامي بقرار كل من السعودية وقطر السماح لمواطني البلد الآخر بعبور الحدود عن طريق استخدام البطاقات الذكية. تندرج هذه الخطوة في إطار تسهيل انتقال رعايا البلدين الأمر الذي يخدم الوصول إلى مبتغى تنفيذ مسارات السوق المشتركة الخليجية. واللافت هو تولي قطر زمام المبادرة في تطبيق مبادئ السوق المشتركة. يشار إلى أن العاصمة القطرية استضافت أعمال القمة الثامنة والعشرين نهاية العام 2007 والتي تم فيها إعلان إطلاق مشروع السوق الخليجية المشتركة.
مواجهة التضخم
من جهة أخرى، ناقش القادة تنامي ظاهرة التضخم في المنطقة. تعد ظاهرة التضخم (أي ارتفاع الأسعار وبقاؤها مرتفعة) قضية الساعة في جميع دول مجلس التعاون الخليجي بلا استثناء. بيد أن قطر تعاني أكثر من غيرها بين دول المجلس من هذه الظاهرة. فاستنادا إلى تقرير أصدره صندوق النقد الدولي، بلغت نسبة التضخم في قطر 14 في المئة في العام 2007. كما سجل الاقتصاد الإماراتي نسبة تضخم قدرها 11 في المئة في العام 2007 مشكلا ثاني أسوأ مستوى لارتفاع الأسعار بين اقتصادات دول مجلس التعاون.
ويشكل تراجع قيمة الدولار الأميركي أحد أسباب التضخم (المستورد) لدول مجلس التعاون. بيد أنه لا يبدو في الأفق وجود نية لتغيير هذه السياسة في الوقت الحاضر بدليل تكرار تأكيد محافظي المصارف المركزية بين الحين والآخر على مواصلة هذا الخيار الاقتصادي.
تعتبر الكويت مستثناة إذ قررت ومنذ مايو/ أيار للعام 2007 ربط عملتها بسلة من العملات تشمل ولكن لا تقتصر على الدولار. في المقابل، ولغرض مواجهة معضلة التضخم تركز دول المجلس على مسألة التحويلات المالية (زيادة الأجور وخفض رسوم الخدمات الحكومية) للمواطنين.
الاتحاد الجمركي
كما تطرقت القمة إلى موضوع آخر يخدم عملية التكامل الاقتصادي وتحديدا الاتحاد الجمركي. لكن لوحظ أن البيان الختامي لم يشر إلى بعض القضايا العالقة في تطبيق المشروع بشكل كامل مثل كيفية اقتسام الإيرادات الجمركية بين الدول الأعضاء.
يعود تاريخ دخول اتفاق الاتحاد الجمركي إلى حيز التنفيذ للعام 2003. استنادا إلى الخطة الأصلية، كان المفروض أن تنهي دول الخليج الإجراءات المطلوبة لتحقيق الاتحاد الجمركي مع نهاية العام 2005. بيد أنه قرر قادة دول المجلس في القمة السادسة والعشرين والتي عقدت في أبوظبي مضاعفة الفترة الانتقالية.
عموما، يستشف من بيان التشاورية استمرار وجود نقاط خلاف بين الدول الأعضاء في بعض التفاصيل المتعلقة بمشروع الاتحاد الجمركي الذي يرتكز أصلا على مبدأ توحيد السياسات التجارية مع الدول غير الأعضاء في المنظومة.
للأسف الشديد لاتزال دول مجلس التعاون غير قادرة على حل المعضلات التي تواجه التطبيق الكامل لمشروع الاتحاد الجمركي على رغم مرور عدة سنوات على دخول الاتفاق حيز التنفيذ. بل يقال هناك مزاعم باستمرار بوجود تباين فيما يخص نسب الضرائب أو التعرفة المفروضة على السلع الواردة. ويعتقد أن مسألة توحيد السياسات التجارية مع العالم الخارجي تشكل حجر عثرة في طريق إبرام اتفاق للتجارة بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي.
الاتحاد النقدي
في المقابل، لم يتطرق البيان الختامي إلى مسألة الاتحاد النقدي والمزمع إطلاقه في العام 2010. يتضمن مشروع الاتحاد النقدي مجموعة من المعايير تتمثل في تقييد الدين العام بنسبة 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. كما على الدول التأكد من عدم ارتفاع العجز في الموازنة العامة بنسبة 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. أيضا المطلوب من الدول الأعضاء في الاتحاد النقدي ضمان عدم ارتفاع مستوى التضخم عند متوسط الدول الأعضاء زائد 2 في المئة. كما ينبغي ألا تزيد أسعار الفائدة على متوسط أدنى 3 دول زائد 2 في المئة. أخيرا المطلوب من الدول الاحتفاظ بقدر من الاحتياطي يغطي قيمة واردات لمدة 4 أشهر.
لكن لا مناص من مناقشة الموضوع في القمة التاسعة والعشرين في مسقط نهاية العام الجاري لسبب جوهري وهو قرار عمان عدم الانضمام إلى مشروع الاتحاد النقدي. أخيرا ليس من الواضح ما إذا كان موضوع الاتحاد النقدي دفع بالعاهل العماني إلى عدم المشاركة الشخصية في القمة التشاورية في الدمام.
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 2090 - الإثنين 26 مايو 2008م الموافق 20 جمادى الأولى 1429هـ