قبل الدخول في الموضوع، إنني لا أقصد الاستهانة بمهنة «صبّاب القهوة»، ودليل ذلك أنني أشير إلى وزير شئون التعليم والأبحاث في ولاية برلين (ألمانيا تحتوي على 16 ولاية) البروفسور يورغن زولنر الذي زرته مع وفد عربي في مقر وزارته الأسبوع الماضي ضمن جولة للتعرف إلى السبل التي تتبعها الحكومة الألمانية لإدماج المسلمين المهاجرين في الحياة العامة. فالوزير برفسور في الكيمياء، وشخصية ذات قيمة علمية كبيرة قبل أن يكون سياسيا. وعندما ذهبنا للقائه جاء إلينا في غرفة الاجتماعات من دون خدم أو حشم، وسلّم علينا فباشر بصبّ القهوة لنفسه ولمن حوله على الطاولة... ثم بدأ مباشرة في مناقشة الموضوعات التي تطارحناها معه.
وبداية، إن مسمى الوزارة هو «شئون التعليم والأبحاث»، وليس «التربية والتعليم» كما هو متداول عندنا، وهذه إشارة إلى أن الهدف الأساسي هو تأهيل رأس المال البشري باستخدام أفضل سبل التعليم والبحوث والتطوير. وقد نقلنا إليه شكوى العرب والمسلمين من عدم تدريس مادة التربية الإسلامية للطلاب المسلمين، وأجاب أن الدولة الألمانية ليس لديها مانع، ولكن المشكلة تتمثل في عدم وجود كتب ذات محتوى متفق عليه بين أفراد الجالية المسلمة أنفسهم وعدم وجود كوادر تعليمية مؤهلة لتعليم هذه المادة. وقال إن الحكومة الألمانية دخلت في حوار مع المنظمات الإسلامية، ولكن هذه المنظمات مازالت لا تمثل سوى 10 إلى 15 في المئة من مجموع المسلمين وهي غير متفقة لحد الآن بشأن المنهج.
أثناء الحوار بدا واضحا أن الألمان يخشون من محتويات الكتب التي تصدّرها الدول الإسلامية إلى مساجد المهاجرين ومدارسهم، إذ يعتبرون كثيرا منها مملوءة بالتحريض على كراهية الآخرين، وهي قد تكفّر بعضها بعضا قبل أن تكفّر غير المسلمين، وأنهم يبحثون عن مسلمين «ألمان» يؤمنون بدينهم الإسلامي ولكنهم أيضا يحترمون الدستور الألماني ويتجهون نحو الاندماج مع المجتمع وليس الانفصال نفسيا عنه، وخصوصا أن خلايا إرهابية انطلقت من الأراضي الألمانية في أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 وكانت هذه تتغذى من الكتب والأئمة الذين تم تصديرهم من منطقتنا العربية إلى شتى أنحاء العالم.
الوزير أكد القواسم المشتركة بين الجذور الإسلامية والمسيحية، وأن ما يبحث عنه المسئولون الألمان هو التوازن، ولاسيما أن وزارة التعليم والأبحاث هي واحدة من تسع وزارات في الولاية ولكنها تعتبر العمود الفقري لكل أنشطة الحكومة في برلين، والوزير الذي صبّ القهوة لنفسه ولغيره لديه نحو 50 ألف مدرس يشرفون على نحو نصف مليون طالب في المدارس، ونصف موظفي حكومة الولاية يتبعون الوزارة، وأكثر من نصف التغطيات الصحافية الحرجة وغير الحرجة لها علاقة بالتعليم... لذلك إن أي منهج يطرح في المدارس يجب أن يكون ضمن السياق المطروح؛ لأن التغريد خارج السرب ليس مسموحا به.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2090 - الإثنين 26 مايو 2008م الموافق 20 جمادى الأولى 1429هـ