العدد 2089 - الأحد 25 مايو 2008م الموافق 19 جمادى الأولى 1429هـ

وهل يشفع الولاء؟

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عمود، «مع الحدث» الذي نشرته صحيفة «العهد» بقلم رئيس مجلس إدارتها بتاريخ 14 مايو/ أيار 2008 له مدلولاته التي يجدر التوقف عندها. فقد كشف المقال عن مستوى ألم ومعاناة استقر في الوجدان الجماعي ليلامس قلوب رموز عُرفت بولائها للنظام السياسي. وقد بدأ الكاتب مقاله بما يلي:

-«الآنَ كشفت الطائفية المنتنة عن وجهها القبيح. والآنَ باتت أنياب الطائفيين أكثر من أي وقت مضى.. الآنَ يمكن للمواطن أنْ يخشى حقيقة على وطنه وعلى دينه وعلى نفسه...من المتآمرين على الوطن والدستور وعلى الوحدة الوطنية... ففي المجلس النيابي أهدر دم الولاء المطلق على مذبح الطائفية وأجهض مشروع الوفاء».

لسنا هنا بصدد الدفاع عن ملابسات استجواب الوزير منصور بن رجب وآلية إدانته من قبل المجلس بعد تبرئته من قبل اللجنة المالية. ولسنا بصدد سبْر أغوار خلفية الاستجواب ومرجعيته ، كما أننا لسنا بصدد التطرّق إلى دستورية الأدانة من عدمها استنادا إلى نص الماده (149) من اللائحة الداخلية، ولا إلى فداحة الجرم المرتكب في قائمة الاستجواب المقدمة وخصوصا تلك المتعلقه بالسائق كومار ومقارنتها بفداحة تسونامي الإحصاءات السكانية أو غيرها من تجاوزات مالية خرجت من النطاق المحلي، ولا إلى فداحة الأزمة الإسكانية الخانقة وشح الأراضي. فهذه كما يبدو لا تستحق الأولوية عند المؤمنين الذين أقسموا بالله العظيم أنْ يخلصوا للوطن وللملك, وأنْ يحترموا الدستور ويؤدوا أعمالهم بالأمانة والصدق.

ما يهمنا هو أمران الأوّل يتعلق بتصريحات بعض عناصر الاستجواب. والثاني هو إجراء مقارنة بين ما عبّرت عنه «العهد» كصحيفة موالاة وما صرّح به الشيخ علي سلمان كقطب معارضة معتدل.

فبالنسبة إلى الأمر الأوّل فقد نفى البعض أنْ يكون الهدف من الاستجواب هو طموح في كرسي بن رجب على غرار الطموح في غيره، والنفي كثيرا ما يحمل في طياته الإيجاب. ولربما كان كرسي بن رجب غير مستهدف كغيره لكون العاملين في جمع القمامة هم أولى بإداراتها.

لقد صرح هذا البعض أنه جمع مخالفات كثيرة لآخرين إلا أنه لا يملك دليلا عليها يرقى لدليل كومار. فالرؤية بالعين من قبل شاهدين اثنين دليل شرعي ملزم لإثبات التهمة. لهذه الأسباب تنعدم الأدلة جميعها عدا دليل كومار. فابن رجب بحسب إفادة هذا البعض غير مستهدف لشخصه أو لمذهبه بل لمخالفاته التي فاقت كلّ المخالفات، فلديهم دليلٌ قاطع عليها في حين تنعدم الأدلة على غيرها. أنها حقا مبررات واهية تعجز عن إقناع كلّ ذي عقل بأنّ تجاوزات بن رجب تفوق في فداحتها تجاوزات خطيرة أخرى تعجز قوى الاستجواب بكلّ إمكاناتها ونفوذها في مفاصل الدولة عن الوصول إلى دليل واحد يدينها. فتقرير ديوان الرقابة المالية لا يوفر الدليل الكافي، وما يحدث في الشركات الحكومية وإقالات بعض مديريها لا يوفر الدليل لفتح استجواب في مستوى ما يوفره كومار الذي انفرد لوحده بالخبر اليقين.

الألم وخيبة الأمل التي عبّرت عنها صحيفة «العهد» لها مدلولاتها، فحيث أنّ الوزير المستهدف لا غبارَ على ولائه، يصبح السؤال مشروعا عن سبب الانتقائية في الاستجواب.

صحيفة «العهد» التي تمثل الولاء تقول «إنّ الوطن والدستور والقانون والمشروع الإصلاحي كلّه يمكن لبعض النفوس الحاقدة والمهوسة طائفيا أنْ تنقلب عليه من أجل تنفيذ مشروعاتها وأجنداتها الرخيصة».

إنّ خيبة الأمل هذه من اختطاف مشروع الإصلاح ومصادرته ليست صادرة من جهة معارضة. وهنا يكمن مصدر التغريب والقلق من فقدان الثقة في التجربة السياسية والإصلاح، مما يضفي المصداقية على مواقف الفئات الأخرى التي شككت في قدرة مشروع الإصلاح على استيعاب المشاكل الوطنية. وهذا يقودنا إلى التمعن في الأمر الثاني المتعلّق بتصريحات الشيخ علي سلمان الأخيرة بشأن التجربة البرلمانية.

يقول الشيخ علي سلمان، «إن الوفاق تعاني من دخولها في البرلمان حيث الأمل كان إعطاء فرصة للتجربة للنجاح، إلا أنّ التجربة حتى الآنَ لا تبشّر بخير، بدأنا نفقد الأمل بمدى فاعلية الرسائل الإيجابية التي أرسلتها الوفاق إلى جميع الكتل، هناك قطاع يطرح فكرة الاستقالة وتجميد العضوية في المجلس».

بن رجب والشيخ علي سلمان ينتميان لتيارينِ مختلفتينِ ولكن جمعتهما المعاناة فعبّرا عن آلامهما وخيبة أملهما بطريقة واحدة ومتشابهة، وهي الخشية من إجهاض ومصادرة مشروع الإصلاح. فما هي الرسائل والعِبر التي يمكن استخلاصها من هذه المستجدات على الساحة الوطنية؟ هناك رسائل ومدلولات عدة نكتفي منها بما يلي:

- الرسالة الأولى هي سقوط معزوفة الولاء التي تتستر خلفها قوى الاستئثار. فالمواطن أصبح في دائرة الاستهداف من قبل البعض بغض النظر عن حقيقة ولائه.

- الرسالة الثانية هي الخشية من انحسار قوى الاعتدال التي باتت تتلقى المزيد من الهوان تزامنا مع الشعور المتزايد بانحسار مشروع الإصلاح. فعقلانية واعتدال الآخر أصبح يترجم كدليل ضعف وسذاجة واستغفال، وهو ما عانت منه كتلة الوفاق الكثير .

- الرسالة الثالثة هي الجنوح لتشجيع ظاهرة التطرف بدلا من الاعتدال في مواجهة قوى الاستئثار والتطرّف على الجانب الآخر.

- هذه الرسائل تعني جميعها، مع الأسف، تزايد الشعور بانحسار مشروع الإصلاح الذي أعطى الأمل في المشاركة والحوار والتوافق الوطني. والأخطر من ذلك كلّه أنها تولّد الإحباط، من هنا جدية الإحساس بالخطر على استقرار الوطن وأمنه.

- إننا أذن نعيش أمورا خارج المألوف توجب على عقلاء القوم التوقف عندها والتأمل في آلية علاجها بحكمة ورويّة، فالوضع لا يحتمل المزيد من الاسترخاء مقابل هذا الحجم من اللامسئولية والعبث في استهداف الوطن ووحدة مكوناته.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 2089 - الأحد 25 مايو 2008م الموافق 19 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً