العمالة السائبة مصطلح دارج ومعروف في دول الخليج. فالكثير من المتطلعين إلى سد جوعهم وإطعام أهلهم من الهند وباكستان والبنغال وغيرهم يحالفهم الحظ ليعملوا في هذه الدول. بعضهم يأتي عاملا عند كفيله، وبعضهم يأتي متسترا بالكفيل، ولتوخي الدقة علينا أن نقول: يستره الكفيل مقابل بعض الأموال الشهرية التي ينالها من العامل، لقاء السماح له بالبقاء على كفالته غطاء لمزاولة العمل.
أجد نفسي مضطرا للحديث عن نمط آخر من العمالة السائبة (مع كل الاحترام والتقدير والاعتذار مسبقا) وهن الزوجات اللاتي يجهدن شهرا كاملا في دوام العمل وتحمل ضغوطه، والجمع بينه وبين أدوار المنزل التي لا نجيدها نحن الرجال، وعند تسلم الراتب تقتطع ضريبة الكفيل (الزوج) الذي يأخذ النصيب الأكبر منه عادة.
هؤلاء الزوجات أربح كثيرا للخليجيين من العمالة الأجنبية؛ لأن العامل يعطي جزءا بسيطا من أرباحه، على حين يستحوذ الزوج على ما شاء من راتب زوجته، مضافا إلى أن ما يبقى في يد العامل من المال يغادر إلى أهله في السند أو الهند، على حين تعود فوائد الشيء القليل الذي تستطيع الزوجة حمايته من راتبها مردودا جديدا على الزوج، إذ ستصرفه الزوجة على نفسها أو على أولادها دون أن تحمّل الزوج عبء هذه الطلبات.
وأخيرا يمكن أن يسبب العامل بعض المشكلات القانونية للكفيل، ويعرضه للمساءلة أو العقاب، ويمكن أن يهرب منه فلا يراه، ويمكن أن يساومه بعد فترة على المبلغ الذي يدفعه بغية التخفيف منه، ويمكن، ويمكن إلى آخر القائمة.
وحدها الزوجة هي التي تعطي وهي تطلب الرضا وتخاف على مستقبلها، وتحيط كل شيء بالكتمان حفاظا على سمعة زوجها وأسرتها، وهي وحدها التي لا تفكر في أن تتظلم حتى عنده.
المبرر واحد
يتذرع الكفيل مبررا ما يأخذه من العامل السائب بأنه يوفر له غطاء يمكنه من العمل، ويسهل عليه مهام التنقل والمتاجرة أحيانا، فهو يأخذ قدرا معلوما من راتب العامل بعد الاتفاق معه، ويبرر الزوج بأنه يأخذ ما يتمكن منه من راتب زوجته؛ لأنه أذن لها في العمل وسمح لها بأن تغادر المنزل، فما يأخذه منها هو المقابل الطبيعي لإتاحة الوقت الذي تقضيه خارج المنزل، ومن ثم الحصول على خيرات العمل والوظيفة.
هو نوع من المقايضة إذا. فالراتب مقابل الإذن بالعمل والخروج من المنزل للغرض نفسه، ومنع الراتب يعني إجبار الزوجة على ترك العمل، فيرفض الزوج ذهابها ويأمرها بأن تقر في المنزل.
وللتخلص من هذا الابتزاز تشترط الكثير من الفتيات في عقد زواجهن أن يسمح لهن الزوج بالعمل الوظيفي؛ لأنهن بهذا الشرط يرفعن ذريعة الزوج ومبرره في الاستيلاء على راتبها، إذ سيقدم على الزواج منها وهو يعلم طبيعة عملها، أو يعلم أنها ستتوظف كغيرها من النساء، وستخرج من البيت يوميا لحضور دوام الوظيفة، وستقضي بعض الوقت لتؤدي عملها.
الكثير من الأزواج يعلمون ذلك، والكثير منهم لا يعيرون اهتماما لما قبلوه شرطا حين العقد، بل يرون أمامهم مالا حاميه ضعيف، وحافظه مغلوب على أمره. فلا المرأة تستطيع الدفاع عنه، ولا الرجل يعترف بحرية تصرفها فيه.
كيف يستقيم مستقبل المرأة الوظيفي؟ وكيف ستستقبل مرافق العمل ومؤسساته المتعددة هذه المرأة (مع احترام شهادتها)، وأصحاب العمل يعلمون أن حالة خلاف بسيطة بين المرأة وزوجها يمكنها أن تنهي عقد العمل، وتسدل الستار عليه إذا منعها زوجها من الذهاب للعمل تعنتا من أجل راتبها؟ كيف ستعتمد المؤسسات والدوائر والشركات عليها؟ وكيف سترتقي السلم الوظيفي؟ وكيف يمكن تبوؤها مواقع إدارية مسئولة وهي في مهب الريح؟
إنني أتحدث عن منع ابتزاز يمارسه الرجل ضد الزوجة يكون الغرض منه الاستيلاء على الراتب، ولا أتحدث عن المنع المستند إلى مصلحة ماثلة، أو ضياع للحقوق الأسرية، أو تضييع لحقوق الزوج، فتلك أمور لست بصدد الحديث عنها.
وإنني لست بصدد كتابة تعميمية تشمل كل زوج تشاطره زوجته العمل والوظيفة؛ لأن الكثير من الأسر حياتها مستقيمة وسعيدة والمال آخر ما يفكر فيه الزوجان.
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 2089 - الأحد 25 مايو 2008م الموافق 19 جمادى الأولى 1429هـ