كشفت عينة من دراسة استطلاعية أجراها مركز البحرين للدراسات والبحوث عن تحفظ كبير تجاه فاعلية القرارات التي خرج بها اتفاق الدوحة ومدى إمكان تطبيقها على أرض الواقع خلال شهر على الرغم من توافق توقعات المبحوثين مع القرارات، فقد بينت نتائج الاستطلاع أن 34 في المئة من الأفراد يرون أن الوضع السياسي في لبنان لن يتغير في المدى القريب بل سيستمر على ما هو عليه في الوقت الحالي. وذهبت 29 في المئة من الآراء إلى احتمال تراضي الأطراف المتنازعة. في المقابل توقع 17 في المئة أن يستتب الوضع السياسي في لبنان في غضون شهر من انتهاء أعمال مؤتمر الحوار الوطني اللبناني.
ورجّحَ 30 في المئة من العينة أن تكون التبعية لأطراف خارجية هي سبب النزاع الأخير بين الفرقاء اللبنانيين على حساب التضامن مع القوى في الداخل، فيما يرى 27 في المئة أن سبب النزاع يكمن في وجود خلافات عميقة بشأن النظام السياسي اللبناني، وذهب 25 في المئة من أفراد عينة الاستطلاع إلى أن صراع المصالح والنفوذ هو السبب الرئيس وراء النزاع. شمل الاستطلاع فئات محددة من المجتمع البحريني مثل أعضاء المجلس الوطني (الشورى والنواب)، وأعضاء من الجمعيات السياسية، والباحثين، والأكاديميين، والصحافيين، والحقوقيين، ورجال الأعمال، ممن افترض معدو الدراسة وجود خلفية لديهم بالشأن السياسي اللبناني، بحيث تكون بيانات الدراسة موضوعية يُعتدّ بنتائجها.
وعن الآليات المناسبة لحل الأزمة، أكدت غالبية العينة (52 في المئة) أن الوسائل السلمية هي الآلية الأنجع، فيما جاء تغيير الدستور اللبناني بما يحقق مصالح القوى السياسية كافة ويحقق مبدأ تكافؤ الفرص في المرتبة الثانية بنسبة 29 في المئة من آراء المبحوثين. وفضل 11 في المئة من الأفراد حسم الخلاف بالاتجاه إلى الدستور الحالي، بينما رأى 9 في المئة أن يتم حسم الخلاف باللجوء إلى القوة.
ويعتقد نحو 73 في المئة من المشمولين في الاستطلاع أن جهود جامعة الدول العربية في حل الأزمة اللبنانية الأخيرة سلبية أو ليست فاعلة، على اعتبار أن تلك الجهود لم تسفر عن تحقيق أي تقدم في موقف القوى اللبنانية أثناء الأزمة.
وجاءت توقعات الشارع البحريني متوافقة إلى حد كبير مع ما توصل إليه مؤتمر الحوار الوطني اللبناني (اتفاق الدوحة) من قرارات، إذ توقع المبحوثون أن يقر المؤتمر قضايا رئيسية مثل تحديد حصص القوى السياسية في حكومة وطنية واحدة، علاوة على الاتفاق على قانون الانتخابات النيابية، حيث حصلت هذه القضايا على نسب 53 في المئة و42 في المئة من إجمالي آراء المبحوثين على التوالي، فيما جاءت قضية تسوية سلاح حزب الله في المرتبة الثالثة بنسبة 4 في المئة فقط من جملة الآراء المطروحة بهذا الشأن.
بلغ عدد عينة الدراسة 237 فردا، 76 في المئة منهم رجال مقابل 24 في المئة من النساء، وتراوحت أعمارهم بين 21-65 سنة. وشكل الجامعيون 32 في المئة من العينة، ثم حملة الماجستير 24 في المئة، والدكتوراه 6 في المئة. وأجرى الاستطلاع كل من محمد الرميض، وعبدالنبي العكري، وزياد صالح من مركز البحرين للدراسات والبحوث.
خلفية الأزمة اللبنانية
اندلعت خلال النصف الأول من شهر مايو/ أيار 2008 مواجهات مسلحة في بعض مناطق لبنان بين عناصر من تيار المستقبل أحد أقطاب الأكثرية النيابية (ما يعرف بقوى الرابع عشر من آذار)، وعناصر من حزب الله أحد أبرز أقطاب قوى المعارضة اللبنانية (ما يعرف بقوى الثامن من آذار). وحسم حزب الله تلك المواجهات في بيروت أساسا والشمال والبقاع، وسيطر على مقار تيار المستقبل وسلمها إلى الجيش اللبناني، كما أسر عددا من مقاتلي تيار المستقبل وسلمهم للجيش اللبناني الذي أطلق سراحهم فيما بعد.
وقد أتت هذه المواجهات كرد فعل للاحتقان السياسي بين الفرقاء اللبنانيين منذ اغتيال السيد رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني الأسبق في فبراير/ شباط 2004، وتداعيات الحرب العدوانية الإسرائيلية على لبنان في شهر يوليو/ تموز 2006، وما تلاها من استقالات وزراء أقطاب المعارضة (حزب الله، وأفواج المقاومة اللبنانية «أمل»، والتيار الوطني الحر) من الحكومة، بسبب اعتراضهم على تشكيل المحكمة الدولية لمحاكمة الضالعين في اغتيال الرئيس رفيق الحريرى. وما تلى ذلك من اعتصام أنصار المعارضة في الوسط التجاري لمدينة بيروت منذ ديسمبر/ كانون الأول 2006، والفشل في انتخاب رئيس الجمهورية مما أوجد فراغا دستوريا في منصب الرئاسة منذ نهاية نوفمبر 2007 حتى الوقت الحالي. في غضون ذلك فشلت كل المحاولات اللبنانية والعربية لحل المشكلات العالقة بين الفرقاء اللبنانيين.
في الخامس من مايو 2008، اتخذت الحكومة اللبنانية قرارين بشأن عدم قانونية شبكة الاتصالات السلكية التابعة لحزب الله، وإعفاء مدير أمن مطار رفيق الحريري (بيروت) من منصبه، كان لهما تداعيات أحدثت هزة كبيرة في الشارع السياسي اللبناني. فقد أثار القراران حفيظة حزب الله وكانا بمثابة الشرارة التي فجرت اندلاع المواجهات التي حصلت في بيروت وغيرها من المناطق المحيطة بها حديثا بين المعارضة والأكثرية والتي أسفرت عن سقوط نحو 65 قتيلا و200 جرح تقريبا.
في تلك الأثناء تسارعت تحركات الدول العربية في محاولات لرأب الصدع بين الفرقاء اللبنانيين، وكان من أبرزها دعوة المملكة العربية السعودية الدول العربية لعقد اجتماعٍ طارئ على مستوى وزراء الخارجية بمقر الجامعة العربية في القاهرة لبحث الأزمة اللبنانية في مسعى لإخراج لبنان من محنته.
وأسفر الاجتماع الطارئ عن تبني مبادرة عربية لاحتواء الأزمة اللبنانية وجرى تشكيل لجنة وزارية ضمت في عضويتها الأمين العام لجامعة الدول العربية. انتقلت اللجنة الوزارية العربية إلى بيروت برئاسة رئيس مجلس الوزراء – وزير الخارجية بدولة قطر، حيث جرى تداول المبادرة العربية مع قوى الأكثرية النيابية من جهة، وقوى المعارضة من جهة أخرى. وأسفرت تلك المساعي الحميدة عن تراضي المعارضة والأكثرية على اتفاق من ست نقاط أو ما عرِف بـ «بيان بيروت» الصادر في 15 مايو 2008، والذي توِج باستئناف الحوار الوطني اللبناني في دولة قطر في اليوم التالي.
واستمرارا لتلك المساعي، استضافت دولة قطر خلال الفترة من 16 إلى 21 مايو 2008، مؤتمر الحوار الوطني اللبناني الذي انعقد برعاية سمو أمير دولة قطر، ورئاسة رئيس الوزراء بالدولة نفسها، حيث التأم الفرقاء لأول مرة منذ سنتين تقريبا للبحث فيما نص عليه بيان بيروت. وبطبيعة الحال فقد كانت المباحثات شاقة ومتعثرة في أغلب الأحيان نظرا لتباعد وجهات النظر بين الفرقاء بشأن القضايا محل البحث، وكانت المباحثات عرضة للفشل حتى الساعات الأخيرة لولا الجهود التي بذلتها السياسة القطرية واللجنة الوزارية والجامعة العربية. وقد توصلت مداولات مؤتمر الحوار الوطني اللبناني في الدوحة إلى اتفاق يلبي مصالح الفرقاء كافة أو ما عُرِف ببيان الدوحة، يقوم على المبادئ والأسس الآتية: دعوة رئيس مجلس النواب البرلمان اللبناني للانعقاد خلال 24 ساعة لانتخاب المرشح التوافقي العماد الجيش العماد ميشال سليمان، رئيسا للجمهورية، تشكيل حكومة وحدة وطنية من 30 وزيرا توزع على أساس 16 وزيرا للأغلبية (الموالاة لرئيس الحكومة)، و11 وزيرا للمعارضة، و 3 وزراء يعينهم رئيس الجمهورية. وتعهدت الأطراف كافة بعدم الاستقالة أو إعاقة عمل الحكومة، اعتماد القضاء طبقا لقانون 1960 كدائرة انتخابية في لبنان باستثناء بيروت التي قسمت إلى 3 دوائر انتخابية، تعهد الأطراف حظر اللجوء إلى استخدام السلاح والعنف أو الاحتكام إليه فيما قد يطرأ من خلافات سياسية ايأ كانت، تطبيق القانون واحترام سيادة الدولة في كافة المناطق البنانية، تأكيد القيادات السياسية على الالتزام بوقف استخدام لغة التخوين أو التحريض السياسي أو المذهبي.
كما دعا اتفاق الدوحة إلى استئناف الحوار الوطني اللبناني في بيروت برئاسة الرئيس فور انتخابه، وسيكون الحوار معنيا أيضا بآلية البحث في قضية سلاح حزب الله الذي كان بين شد وجذب في مفاوضات الفرقاء أثناء مؤتمر الحوار الوطني في الدوحة.
العدد 2089 - الأحد 25 مايو 2008م الموافق 19 جمادى الأولى 1429هـ