العدد 2088 - السبت 24 مايو 2008م الموافق 18 جمادى الأولى 1429هـ

إدمان الجرائم البشعة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مؤسف جدا أنْ يبدأ الأسبوع بخبر مقتل إنسان بحريني بهذه الصورة البشعة. ومؤسفٌ جدا أنْ يترك وراءه ثلاث بنات سيشربنَ كأس اليتم، عسى الله أنْ يبعث لهنّ برحمته ولطفه، من الأيدي الحانية ما يعوّض لهنّ ولو جزءا يسيرا من الرعاية والحنان.

مؤسفٌ أنْ تبدأ البحرين يومها بقراءة مثل هذا الخبر الحزين، على صدر الصفحات الأولى من صحف أمس (السبت)، مع عرض التفاصيل بالصفحات الداخلية، مدعمة بصور السيارة الملطّخة بالدم، وآلة القتل، ودماء القتيل على الشارع. كلّ هذه البشاعة من أجل خلافٍ على مبلغ زهيد من المال، ففي أيّ عالَمٍ أصبحنا نعيش؟

كثيرا ما نتكلّم عن هذا البلد الآمن الصغير، ونطرب لاستعراض ما يتمتع به من أمنٍ وأمان، وطيبةٍ وأخلاق... وننسى ما يمرّ به من تحوّلات جذرية وتقلبات عنيفة. لم نعد تلك الجزيرة الوادعة المعزولة عن الأنواء، بل إن كلّ ما حولنا يدفع باتجاه العنف والإحباط، بعد أن أضيف على القائمة عامل الغلاء وشراسة السياسة الليبرالية وقوانين السوق الذي لا يرحم.

ليست القضية قضية وافد ومواطن، أو جنسيات معيّنة حتى نضعها في قفص الاتهام. افتحوا صفحات «الحوادث» لتعرفوا هذا البحر الموّار، جرائم وجنح وقضايا من مختلف المِلل والنِحَل والجنسيات، ونسبة البحرينيين فيها ليست قليلة على كلّ حال.

حتى الأمس القريب، كان هناك جيلٌ من الكتّاب أقام شهرته على تتبع أرقام جرائم الاغتصاب والقتل والسرقة التي تحدث في الغرب، فهل كان أحدٌ يتصوّر أنْ يصل الوضع الاجتماعي والاقتصادي في بلدنا، إلى تخصيص صفحة كاملة يوميا، في مختلف صحفنا المحلية، لمثل هذه الأخبار؟

في السبعينيات، كانت أخبار الجرائم الأخلاقية تأخذ طريقها إلى صفحات مخصصة، وعادة ما يجهد بعض محرّري المجلات الاسبوعية في ترجمة قصص الجريمة من المجلات الأجنبية؛ لأنّ لها سوقا بين القرّاء، لكن... ألم نحقّق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال؟ ألم يعد مجتمعنا الصغير هذا ينتج كمّاَ كبيرا من الجرائم الأخلاقية وغير الأخلاقية، حتى لم تعد مثل هذه الجرائم «الصغيرة» تستوقف انتباه أحد، أو تثير غريزة الخوف لدى أحد، بعد أن أصبحت الجرعات اليومية لا تكفي لإثارة الأعصاب التي أدمنت هذا النوع من الجرائم، من اغتصاب وتحرشات وسرقات في وضح النهار، فضلا عن شبكات الدعارة والمتاجرة بالبشر، وفضائح الشقق المفروشة والمناهل والبارات.

في السبعينيات، حيث مازالت الذاكرة تحتفظ ببعض الصور والذكريات، وقعت حادثة قتل لأحد رجال القرية، باستخدام سلك الكهرباء، وظلّت المجلات الأسبوعية المعدودة على أصابع اليد الواحدة، تفرد صفحات لتفاصيل الحادث، وبعدها وقائع المحاكمة، حتى تنفيذ الحكم. ومن المؤكّد تماما انها ضاعفت عدد النسخ المطبوعة استجابة للطلب آنذاك. ففي مجتمعٍ آمنٍ وادعٍ، كان من شأن جريمة قتل فردية أنْ تُحدِث موجاتٍ من الرعب والخوف والهلع، وتترك ندوبها في وجدان الناس لعدة أشهر. أما الآن فمثل هذه الحوادث البشعة، فلم تعد تترك أثرا على الناس لأكثر من سويعات، فهم بانتظار أنْ يقرأوا أخبارا أسوأ في صحافة اليوم التالي مع قهوة الصباح.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2088 - السبت 24 مايو 2008م الموافق 18 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً