مع صعود سعر برميل النفط لما بعد الثلاثينات فوق المئة، يبدو أننا في الطريق نحو المزيد من المشكلات التي ستعصف بالطبقتين الفقيرة والمتوسطة في البحرين، وهو ما يعني أنّ “الدولة” قد تكون بحاجة للاستعداد مجددا لعلاوة غلاء جديدة تكون مضاعفة مرة أو مرتين ما خلا أنْ تدرك الأخيرة أنّ علاج مشكلة التضخم هو خلاف ما كانت ولا تزال تعتقد، وأن أضرارها تفوق الخمسين دينارا.
الذي يبدو منطقيا هو أنّ مواطني البحرين - على الرغم من تواضع إمكاناتها النفطية - معنيون مباشرة بهذه الوفرة المالية التي تبدو موازنة الدولة متخمة بها. ولأننا ندرك تماما بأنّ المواطن البحريني لن يَجني من هذه الطفرة شيئا ما خلا إنهاك موازنته المرتقة بموجة تضخم جديدة، تبدو عبارة مراسل صحيفة “تاجزيستن” الألمانية فرنر رايت الأفضل في توصيف حالنا في الخليج، فهي وإنْ كانت عبارة تصف الوضع في أوروبا إلا أننا الخليجيين معنيون بها أيضا.
يقول فرنر”الذين يمكنهم العيش برفاهية في أوروبا هذه، هم أولئك: رجال الأعمال، المضاربون، المصدّرون، والمافيا”. ويمكننا إسقاط هذا الوضع على البحرين اليوم، فالوفرة المالية وناطحات السحاب والمشروعات التي أنهت سواحلنا عن بكرة أبيها كلّها استثمارات تتفرد بجني أرباحها طبقة معيّنة من البحرين، أمّا بقية البحرينيين فهم خارج هذه المعادلة أو بالكاد يصيبهم مطرُها على استحياء وتمنع.
الشعوب الخليجية والشعب البحريني على رأسها، مطالبون بمُحاسبة حكوماتهم على ما ستذهب له هذه العوائد المالية الكبرى، هذه الشعوب المحسودة “على الفاضي” لا تريد ترسانة أسلحة جديدة أو طائرات ولا تريد ناطحات سحاب لا تعرف حتى مداخلها بالقدر الذي تتطلع فيه لبنية صناعية تجلب المزيد من فرص العمل وتزيد من الإنتاج المحلي، فوحدها المجتمعات الصناعية هي التي تستطيع الصمود والبقاء أمّا مجتمعات ناطحات السحاب والأبراج فهي مجتمعات هشة ينتفع منها أولئك الذين يمسكون بعصا المال التي تضرب الناس ولا تنفعهم.
البحرينيون وسائر شعوب الخليج هم ضحايا النفط لا سادته، وإذا كانت الأوضاع السياسية في الدول العربية الفقيرة تكاد تنفجر جرّاء زيادة أسعار النفط واختناق الشعوب جوعا، فإنّ أبناء الخليج مع هذه الوفرة المالية الجديدة التي تملأ خزائن حكوماتهم، هم أيضا متضررون، ذلك أن هذه الدول لا تريد أنْ تكون دولا ديمقراطية، السيادة فيها لما يُريده الشعب، والثروات مقسّمة عليه بالعدل والمساواة.
ذاكرة أبناء الخليج مع النفط ذاكرة بليدة سيئة، وما عدا أن كل واحد منهم لا يستطيع حساب ما يعود على دولته من مال إذ تفوق الأصفار احتمالات الحواسب الشخصية الصغيرة، هم أيضا لا يعلمون إلى أيّ الجيوب ستذهب هذه الأموال أو تجاه أي مافيا من المافيات؟!
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 2088 - السبت 24 مايو 2008م الموافق 18 جمادى الأولى 1429هـ