لكل منا قدرة معينة على تحمّل المسئوليات والهموم، ولكن ما إن تزداد وتتراكم حتى تكون عبئا ثقيلا على صاحبها أكثر من كونها قدرة وميزة حباه الله بها. لقد رأيت ومازلتُ الكثير من البحرينيين في صراع مع الهموم والمشكلات التي أثقلت طاقاتهم وقدراتهم على العيش الهنيء، وأثّرت على الأسرة تأثير سيئا. ومما استوقفني في هذا المقال الشريحة الكبرى من البحرينيين الذين يعانون تقريبا من الهموم نفسها والوتيرة اليومية من المشكلات نفسها، وإن تصاعدت عند البعض أو قلّت عند الآخر. حين نستوضح هذه الهموم فلابد لنا بأخذ جولة في حياة أي موظف بحريني.
الهم الأول: يبدأ غالبية البحرينيين حياتهم اليومية كل صباح باختناق السيارات وازدحام الشوارع؛ مما يسبب التوتر والعصبية والانزعاج، حتى إن الكثير منا أصبح يشبّه الشوارع البحرينية بشوارع القاهرة، وذلك بسبب الازدحام المروري الخانق عندنا في الآونة الأخيرة. ولا ندري السبب المقنع في كثرة الازدحامات، فهل نرجعها الى جريمة التجنيس كما وصفها النائب علي سلمان أم نرجعها الى حياة الترف التي يعيشها أبناء شعبنا أم هي حالة معيشية عادية في عصر العولمة والتكنولوجيا؟
الهم الثاني: الذي يأخذ مأخذا عميقا عند غالبية الموظفين البحرينيين، وهو أزلي لديهم، ألا وهو «عدم انتهاء الديون»، فلقد وجدت الكثيرين منا يعانون من كثرة الديون التي يؤدونها؛ فواحد يعاني من دين السيارة، وآخر مازال يسدد دَين العرس، وواحدة ذابت أطرافها من دَين الاسكان، وهذا يتصبب عرقا كل شهر من تسديد دَين السفر، وكذلك هناك الكثيرون ممن يؤدون دَين الدراسة ودَين العلاج، وهذه الأيام أصبحنا نسمع عن دين الأجهزة الالكترونية! فهل نرجع سبب هذا الهم الى المصارف في تسهيل القروض والجدولة أم الى الحكومة في عدم رفع الأجور والرواتب أم الى سياسة التجارة الحرة وما أفرزته من موجة غلاء تؤثر على البحرينيين وعلى معاشاتهم البسيطة مقارنة بدول الخليج أم الى أنفسنا بعدم مراعاة ادارة المال أم ان هذا كله، أمام ارتفاع سعر برميل النفط الذي لم يجنِ المواطن البحريني منه إلا الهم والغم وانتهاء الطبقة الوسطى من الشعب؟
الهم الثالث: هو عدم وجود أماكن ترفيه مناسبة للموظفين وأهلهم؛ فكثير منا يتمنى أن يذهب مع أهله الى منطقة خضراء جميلة، يمتّع ناظريه ويريح باله من الهموم فيها، أو الذهاب الى الساحل مع الأسرة ونيل قسط من الراحة والاستجمام. ولكن هذه الأيام لا نجد أيا من المناطق الخضراء أو السواحل النظيفة إلا في دور السينما أو عبر الشاشات التلفزيونية، أو إذا ورث الموظف من أهله بعض المال - وهذا نادر جدا - ليشتري فيلا في احدى الجزر الاستثمارية المطلّة على البحر، التي ما إن تدخلها حتى تظن أنك في أرض الخلود كما وصفت منذ آلاف السنين!
الهم الرابع: عدم حصول بعض موظفي الدولة المبدعين أو الناجحين على الحوافز أو الدرجات، التي تؤثر تأثير سلبيا عليهم. فكثير من الموظفين ينتظرون الحافز، ولكن للأسف الشديد تجد محسوبية في الدرجات والحوافز تجعل الموظف يتراجع ويتقاعس في انتاجه نظرا إلى الظلم الواقع عليه. فسيطرة بعض الجمعيات السياسية والدينية على المناصب القيادية في الدولة أدت الى تفاقم الفساد والمحسوبية.
الهم الخامس: عدم الاستفادة من مجلس النواب الذي بات الليل بشعارات، وأصبح في النهار بشعارات أخرى ضد الموظفين البحرينيين. فلم نجد قانونا اقترحه النواب يشجّع على حفظ مكانة الموظف البحريني، ولم نجد تفعيلا الى الآن لقرارات المجلس تساعد الموظف وتنمّيه، حتى ترفع من مكانته أو من معاشه.
الهم السادس: هو الهم المؤلم في حياة كل موظف بحريني. فكل يوم تجد الحاجز بين الموظف السني والشيعي يزداد، وتجد النفوس موغلة فيما بينهم، والكل في حالة تأهب للمجادلة والعراك؛ بسبب الطائفية الشعواء التي لن تنتهي إلا بانتهاء مواطن الجهل عندنا، والوعي التام في قدرتنا على العيش معا دون أي تحزبات أو طائفية!
إذا زالت هذه الهموم الستة عن موظفي البحرين أو غيرها من الهموم فسنجد الكثير من الارتقاء والابداع في العمل عند المواطن البحريني الذي ساند الحكومة باستقرار الأوضاع في كثير من المناسبات والصراعات، وإننا بصراحة نتمنى من حكومتنا - كما عوّدتنا على حسن الاستماع - الاهتمام بهذه الهموم التي ترهق كاهلنا، ورسم آليات تساعد من خلالها الموظف البحريني في حياته اليومية، والتي على رأسها «الديون» كما فعلت دولة الكويت الشقيقة بتخليص شعبها من ثقل «همّ الدين».
إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"العدد 2088 - السبت 24 مايو 2008م الموافق 18 جمادى الأولى 1429هـ