تكتظ القنوات الإعلامية، التقليدية منها والإلكترونية بالكثير من المواد التي تتحدث عن «الحكومة الإلكترونية». البعض منها يتحدث عن طموحات قادمة، في حين يصف البعض الآخر منها مشروعات قائمة قيد التنفيذ، ولا يخلو الأمر من إشارات هنا أو هناك عن مشكلات تقنية أو سياسية اعترضت طريق هذا المشروع أو ذاك.
هذه الظاهرة طبيعية وصحية. فلم يعد هناك من مناص من وضع الأقدام العربية على طريق تشييد البنية التحتية التي تحتاجها وظائف الحكومة الإلكترونية، والمعلومات التي تبثها، والخدمات التي تقدمها. وبالقدر ذاته ارتبط دخول الحكومات الإلكترونية في الحياة العربية مع طموح للحد من «البيروقراطية».
وتنبع أهمية مشروعات الحكومة، من الحيز الذي تحتله الحكومات وانشطتها، وخاصة في بلداننا العربية، في الاقتصاد والأعمال، فالدولة، في المجتمعات العربية، وخصوصا النفطية منها، تحتفظ بحصة الأسد فيما يتعلق بالأنشطة الاقتصادية والأعمال المالية والتجارية المتفرعة منها. وطالما ارتبط بناء الحكومة الإلكترونية باقتناء التكنولوجيا واستخدامها في المعاملات الحكومية، فهذا يتطلب الوصول إلى فهم عام مشترك بشأن مفهوم الحكومة الإلكترونية.
لذلك وقبل الولوج إلى «الحكومة الإلكترونية» ينبغي الاتفاق على ما هو ليس بالحكومة الإلكترونية، أو بالأحرى ما هي المفاهيم الخاطئة للحكومة الإلكترونية. ففي أذهان البعض لا يتجاوز الأمر موقعا متطورا على الإنترنت، يوفر بعض الخدمات الابتدائية، من نمط تجديد رخصة عمل، أو دفع فاتورة كهرباء. وتغمر، أصحاب هذا الفهم المسطح، الفرحة حين ينجزون هذه المعاملة أو تلك عبر موقع أقامته هذه الوزارة أو تلك.
هناك تصور آخر، لا يخلو من السذاجة، وهو الذي يتصور أن الحكومة الإلكتروينة لا تعدو كونها أكثر من تحويل الوثائق المتعلقة بالمعاملات الحكومية من هيئتها الورقية الصلبة (Hard Copy)، إلى شكلها الإلكتروني اللين (Soft copy). وعلى رغم أهمية ذلك وضرورته، فإنه لا ينقل الحكومة المعنية من واقعها التقليدي القائم إلى أفقها الإلكتروني القادم.
التصور الثالث الخاطئ، هو ذلك الذي يحوِّل العلاقة مع التكنولوجيا إلى علاقة تأليه تصل إلى الصنمية، تصبح من خلالها أسيرة تلك التكنولوجيا، التي مهما بلغ مستواها وكفاءتها وتقدمها على المستوى التقني، لكن، عندما يتم اختيارها، إما بشكل اعتباطي، أو لتحقيق هدف سياسي، أو لمداعبة «الأنا» لدى جهات عليا تقدس التكنولوجيا من دون الاهتمام بمدى ملاءمتها للوظائف المتوخاة منها أو كفاءتها في أداء المهمات المطلوب إنجازها، تتحول المنصة الإلكترونية إلى آلة صماء فاقدة لأي جدوى أو وظيفة.
وعلى امتداد العشرين سنة الماضية ظهرت أكثر من مدرسة في تحديد المدخل لبناء منصة الحكومة الإلكترونية، فهناك المدرسة الأميركية، التي تركز على عمليات البيع والشراء، أو بالأحرى الشق التجاري من وظائف الحكومة الإلكترونية، في حين تميل المدرسة الأوروبية أكثر نحو حماية المواطن، وتوفير أفضل الخدمات التي يحتاجها، وفي وسع الإنترنت توفيرها.
وتأرجحت تجارب الدول النامية، من امثال سنغافورة وأستراليا وتايوان، بين هاتين المدرستين، فجاءت منصات كل منها مزيجا مما توفره تلك المنصتان: الأوروبية والأميركية، انطلاقا من تقييم كل منها للظروف التي تحيط بالحكومة المعنية وأولوياتها في تدشين تلك المنصات، تجارية كانت أم سياسية.
من هنا فإن أهم خطوة على طريق «الحكومة الإلكترونية» هي الاتفاق على تعريف محدد لها، ذلك نظرا إلىى تعدد التعريفات وتشعبها. على أن المفهوم الأكثر شمولية وإمكانية للتنفيذ هو الذي يرى الحكومة الإلكترونية على أنها «استخدام الحكومة لتقنيات الاتصالات والمعلومات من أجل توفير الفرصة أمام المواطنين والأعمال للتفاعل أو إنجاز الأعمال مع الدولة باستخدام وسائط الاتصال الإلكترونية من هاتف أو فاكس أو بطاقة ذكية، أو البريد الإلكتروني، أو عبر التبادل الإلكتروني للوثائق (EDI)، بما يضمن تنظيم الحكومة لنفسها من خلال القنوات الإدارية، وعبر القوانين والأنظمة، والأطر الأخرى المختلفة التي تضمن إنجاز الخدمات، وتحقيق التعاون وسلامة الاتصال والتكامل بين إجراءات الدولة الداخلية من جهة وبينها وبين المواطنين أفرادا ومؤسسات من جهة ثانية».
باختصار، ومن دون أي اختزال يمكننا القول إن الحكومة الالكترونية من حيث مفهومها، هي، «البيئة التي تتحقق فيها خدمات المواطنين واستعلاماتهم وتتحقق فيها الأنشطة الحكومية للدائرة المعنية من دوائر الحكومة بذاتها أو فيما بين الدوائر المختلفة باستخدام شبكات المعلومات والاتصال عن بعد»
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2299 - الأحد 21 ديسمبر 2008م الموافق 22 ذي الحجة 1429هـ