يجد الناس في الأسفار والرحلة إلى الأمصار فرصة للاستجمام والراحة من متاعب الحياة ومشاغلها، وسبيلا إلى الوقوف على عجائب البلدان، وبدائع الأوطان... لذلك وعلى ذمة الراوي والحكاوي الكثيرة... سأحكي لكم اليوم قصة حدثت لي على متن رحلة استغرقت سبع ساعات بالتمام والكمال كانت تأخذنا إلى أحد الدول العربية، اذ كان الملل يسود المكان لطول الوقت ولعدم وجود ما يسلينا، إذ كان غالبية الركاب يلجئون إلى النوم لتضييع الوقت على متن الطائرة... أما أنا فلم أجد ما يسليني سوء أحد الروايات التي كنت أحملها معي، فأخذت بقراءتها.
بعد نحو ساعتين من اندماجي في القراءة، وإذ بصوت تصقيف قد على من مقصورة ركاب الدرجة الأولى... طبعا أنا أستطيع سماع الصوت لأنني كنت قريبة من تلك المقاعد. وعلى ما يبدو فإن ركاب الأولى كانوا لا يشعرون بالملل، إذ أخذهم الحماس حتى بدأ أحد أولئك الركاب يعزف بالعود ويطرب الجميع... الصوت كان ليس بغريب عن مسامعي، إذ كان عذبا أمتعني خلال الرحلة، فقد غني لمدة أربع ساعات متواصلة.
فضولي دفعني لسؤال أحد المضيفات وقد كانت آسيوية، عن صاحب ذلك الصوت الجميل، إلا أنها لم تعرف فاستأذنتني لسؤال زميلتها العربية، فإذ بها تخبرها بأن صاحب الصوت الجميل هو مطرب عربي، إلا أنها رفضت كشف أسمه على اعتبار أن ذلك قد يسبب فوضى على متن الطائرة.
أخذت أراجع الصوت في مخيلتي من جديد، ولكنني لم أستطع معرفته، فانتظرت حتى نزولنا من الطائرة، لأراقب «صاحب العود»، وإذ بي التقي به عند «الأمتعة»... فعرفت بعدها بأن صاحب ذلك الصوت كان الفنان لطفي بوشناق... الذي يمتاز بحنجرة تجمع ما بين العذوبة والقوة، وبنبرات لا تشابه أحدا، فكانت روعة حنجرة لطفي هي أولى بدائع تونس التي تعرفت عليها.
العدد 2088 - السبت 24 مايو 2008م الموافق 18 جمادى الأولى 1429هـ