لم تكن الفتاة المصرية التي اطلقت الصحافة المصرية عليها «فتاة الفايس بوك» والتي استطاعت أن تنجح في ما عجزت عنه النقابات المهنية والاحزاب السياسية عبر هذا الموقع، إلا نموذجا واقعيا لما يستطيع هذا المجتمع الإلكتروني أن يفعل، هذا الموقع الذي بدأ يأخذ موقعه كفاعل اجتماعي وسياسي له قوته، ويمتلك من الأدوات وآلأليات ما يستطيع أن يؤثر بها على المجتمعات العربية الجديدة هنا وهناك.
وإذا كانت سورية قد نالت سبق البدء في مقاومة هذا الصديق الجديد في السياسة «الفايس بوك»، فإن ردات فعل اخرى قد تبدأ الحكومات العربية في تفعيلها اليوم أو غدا. وقبل أن تبدأ هذه الحكومات في غلق هذا الموقع أو حجبه كما فعلت مع غيره من المواقع فإن أحدا منها - أي الحكومات - لن ينجح في منع هذا المارد الإلكتروني الجديد من النفاذ لهذه المجتمعات المتعطشة للحرية والديمقراطية.
تستطيع آلة الرقابة الحكومية في أي بلد عربي أن تتصدى لهذا الصديق الجديد، لكنها لن تستطيع الحد من تأثيراته الاجتماعية والثقافية والسياسية، فهذه قصة حرية الإنسان التي لا تنتهي عند حد.
كلما اخرجت العقول منفذا للكلام الحر والإبداع خارج سلطة الدول والاديان والأيديولوجيات التعيقة الشمولية كان الإنسان تواقا للدخول من هذا المنفذ لفضاءات الحرية والكلام في الممنوع المرغوب والذي لا يستطيع أحد ما أن ينتهي بصاحبه للدخول في بوابات السجن العربية إلى ظلام لا رجعة منه.
ستبقى شبكة الإنترنت مزعجة لحكوماتنا ووزارت إعلامها، لا لأن الأنترنت عدوها كما تعتقد أو لأن متجتمعاتنا متخلفة تستخدم التقنية في الشتائم والسباب كما يعتقد البعض الآخر، لكن لأن الحكومات ببساطة، لا نريد لهذه المجتمعات أن تتكلم أصلا، وهو في المحصلة ما يجعل من هذه الحكومات امام كل فتح تقني تحس بالرعب والمحاصرة.
فلتجعل حكوماتنا العربية من حرية التعبير والإحتجاج والتظاهر والاعتراض حقوقا مصانة لا مساس بها، حقوقا لا تحتاج لقوانين تنظمها أو تكبح من جماحها،وحينها فقط، ستدرك هذه الحكومات أن «الفايس بوك» و»البلوغر» والمنتديات الإلكترونية كلها مواقع إلكترونية ستكون اهدافها تعزيز قدرات مجتمعاتها وتنمية إبداعاتها، وخلاف ذلك، فإن حكومة من هذه الحكومات التي تريد أن تقاوم الهواء لن تستطيع أن تمنع مواطنيها من الكلام، فكلما خرجت بآلية منع او حجب كان للإنسان الحر ان يصنع لنفسه فضاء جديدا يتنفس فيه، وهذه هي حقيقة اللعبة.
عادل مرزوق
العدد 2088 - السبت 24 مايو 2008م الموافق 18 جمادى الأولى 1429هـ