لنتفق بأنّ ما أقدم عليه «حزب الله» المدعوم من قبل التحالف الإيراني - السوري وانجراره نحو استخدام وتوظيف السلاح داخليا ضد ميليشيات خصومه السياسيين للرد على استفزازاتهم، والتي لا ينكر المتابع للمشهد اللبناني مدى وقاحتها وانحطاطها في كثير من الأحيان، إنما يعد للأسف خطيئة كبرى لا يمكن التقليل من عواقبها المحتملة على رصيد الحزب داخليا، وعلى مشروعية سلاحه المستخدم للذود عن حياض الوطن ولمقاومة الانتهاكات والاستفزازات الصهيونية السافرة التي لا تردعها أعلى رادعة دولية!
حزب الله بذلك الفعل إنما أدّى إلى تسليط الضوء مرة أخرى على مفردات سرعان ما راجت في الصحافة الإقليمية والدولية مثل: «حزب الله ستان» و»دولة داخل دولة»، وأدى إلى التشكيك بأهداف الحزب المعلنة من قبل خصومه، ولكننا وفي الوقت الذي اتفقنا فيه على خطيئة الحزب المؤسفة، فإنه لا يمكننا أنْ نختلف على مدى الاستزلام السياسي لقوى الموالاة اللبنانية وتحالف 14 مارس/ آذار مع المحور الصهيوني الأميركي و»الدول العربية المعتدلة» التي لا يكفيها أبدا رفع قميص الشهيد رفيق الحريري في كلّ شاردة وواردة حتى يشفع لها ذلك مواقف انصياعية تأزيمية وقد تمخضت بقبلات بوش وكونداليزا رايس واشرأبت بأحلام أولمرت وليفني!
فهل هؤلاء الأخيرون يريدون المصلحة العربية، على رغم أنّ هنالك ترتيبات استراتيجية أميركية كبرى سبق أن كلفت بها الكيان الصهيوني لاجتثاث «حزب الله» من الجنوب اللبناني، ومن حق «حزب الله»، وهو الذي أثبت بطولة نادرة حسده عليها المحللون الصهاينة والأميركان، أنْ يعزز من تحالفاته ويوسّعها ويتصدّى استباقيا لتلك الترتيبات المكشوفة، خصوصا إنْ كان خصومه الساسة النافذون في الحكم «الشرعي» ممن لا يعوّل عليهم في ذلك كما علّمت التجارب شاء أم أبى ذلك صاحب «المصب الرئيس»؟!
ألم تملأ إيران مهما تكن أجنداتها خروقات الغياب العربي حد الطفح؟!
كيف نفتح النوافذ ولا نريد للرياح أنْ تدخل أو تتدخل؟!
ما لا يمكن الاختلاف حوله أيضا هو أنّ «الدول العربية المعتدلة» وعلى رأسها مصر والسعودية لم يكن لهم أيّ دور بنّاء ومحايد في الملف اللبناني، وبدا لنا أنه ومثلما بزّ الرئيس الأميركي جورج بوش قادة الدولة الصهيونية في خطبته المسيانية بمناسبة 60 عاما على قيام الكيان الصهيوني فلقي إشادات ودعوات من أعضاء الكنيست تدعو أولمرت وغيره لتعلم مبادئ الصهيونية من بوش، فإنه وعلى الوزن ذاته يبدو أنّ «محور الدول العربية المعتدلة» قد بز الرئيس الأميركي بوش في أميركيته تجاه الملف اللبناني، فما انفك يبرز يوميا إخفاقه المزمن في التوسّط لحل الأزمة اللبنانية ليس لسبب سوى أن تدخله في هذا الملف لا يزيد الوضع إلاّ تأزيما ولا يمكن أنْ يعزز بحكم المنطق السليم مشروعية طرف على الطرف الآخر فهو ليس بالطرف العادل أبدا!
وبعيدا عن التصريحات الدبلوماسية الرفيعة المستوى بشأن الوضع اللبناني من قبل المسئولين المصريين والسعوديين، والتي بدت كما لو أنها حملت شعار «ويلٌ للعرب من شر قد اقترب»، وكأنما هي تحذرنا مما قد تراه «يأجوج ومأجوج» في حين أنها تتغافل عن سيّدهم «المسيح الدجّال» الذي فضحهم في شرم الشيخ! بعيدا عن الرغاء الدبلوماسي وقريبا من الإعلام المدعوم سعوديا الذي بدا بمواقفه في هذه الأزمة أكثر إثارة للتقزز خصوصا، ولو كانت بعض تلك الفضائيات هي البادئة بوقاحة في طأفنة الصراع السياسي بتعميمات فجّة وباستباق مدمر للأحداث فاق القنوات الصهيونية والأميركية التي تعرف قسطا من الحياء المهني والأخلاقي الحرفي، فشهدنا في إحدى الفضائيات «غزو حزب الله» لـ «الامتداد السني» و»الميليشيات الشيعية تتقدّم نحو مناطق السنة في بيروت» وغيرها مما لم أجد لها مثيلا في الوقاحة وانعدام المسئولية أبدا، وأجزم بأنه لا مجال للمقارنة بين تغطية «الجزيرة» وحتى «المنار» وتلك التغطيات غير المسئولة!
وسائل الإعلام المستخدمة سعوديا في الأزمة اللبنانية فرضت سعد الحريري الغر سياسيا واجتماعيا زعيما بلا منازع لأهل السنة والجماعة، وإنْ كنتُ أرى بأن من لم يشابه أباه هنا فقد ظلم كثيرا، وبأن ذلك من سوء حظ السنة الذين يستحقون مَنْ هو أفضل بكثير من ابن الحريري ذاك، وتغاضتْ هذه الوسائل بانتحارية عن مواقف الداعية فتحي يكن وجبهته وغيره من علماء ورموز أهل السنة والجماعة وغيرهم من كوادر ونخب قومية ويسارية محسوبة بحكم البغض الطائفي على أهل السنة والجماعة، فلم تكن الوكالات الإعلامية تلك، كما أرادت لنفسها، حيادية وموضوعية ومهنية حتى في طأفنتها، كما لم يكن الحريري الابن ذاك الزعيم المزعوم للسنة في هذه الأزمة المركبة!
ولعلّه من المضحك والمبكي أن ينبري بعض الزملاء ويسعى لتبني مواقف أشبه ما تكون بالمسيانية والقيامية «Apocalyptic» تجاه الأزمة اللبنانية، فيسقطوا سيناريوهات الحديث النبوي الشريف «ستصالحون الروم صلحا آمنا فتغزون أنتم وهم عدوا من ورائكم، فتنصرون وتغنمون وتسلمون ثم ترجعون حتى تنزلوا بمرج ذي تلول، فيرفع رجل من أهل النصرانية الصليب فيقول: غلب الصليب، فيغض رجل من المسلمين فيدقه، فعند ذلك تغدر الروم وتجمع للملحمة» على وحل الأزمة الحالية ليبرروا الاندفاعة والفزعة العربية – الأميركية – الصهيونية لإنقاذ عروبة لبنان، فيلعن الله العقلاء أمام «تسونامي» التخريف!
حتى تكون كلمة حق لأجل التاريخ يمكننا القول إنّ نجاح الأشقاء في قطر في تنظيم «الحوار اللبناني» بمبادرتهم القيّمة تلك قد يكون مبشرا بصعود المسار الدبلوماسي الثالث المنشود من قطر من بين تصادمات المحور الإيراني – السوري – «حزب الله» مع المحور الأميركي – الصهيوني – العربي الذي لا يعوّل عليه أبدا في حل الأزمات، فلنبارك لقطر ذلك الصعود الدبلوماسي الجليل مهما قيل عن تناقضاته! وليس عجيبا أنْ يقول أحد الزملاء من المغرب العربي بأن قطر أكبر من مصر في ذلك الموقف، بل في اعتقادي أنّ قطر الشقيقة أكبر من الجميع في هذه المبادرة!
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 2087 - الجمعة 23 مايو 2008م الموافق 17 جمادى الأولى 1429هـ