على مدى يومين، أشارت الكثير من التحليلات الصحافية التي أعقبت توقيع اتفاق الدوحة لإنهاء الأزمة بين الفرقاء في لبنان إلى وجود صفقات سياسية أطرافها أميركا وإيران وسورية والسعودية ومصر وما يجري في العراق. وربطت هذه التحليلات بما يجري من مفاوضات سورية إسرائيلية غير مباشرة وهدوء في مدينة الصدر ببغداد، واحتمال حصول انفراج بالملف النووي الإيراني على الصعيدين الأوروبي والأميركي.
لا يمكن لأحد أن يتكهن بحقيقة ما جرى خلف كواليس اتفاق المعارضة والموالاة في لبنان، كما لا يمكن لأحد أن يؤكد أو ينفي احتمال فشل الاتفاق أو نجاحه إلى الأبد، لكن بالإمكان أن نقرأ الأحداث الأخيرة بطريقة تختلف عن موضوع عقد الصفقات الدولية لحل الأزمة اللبنانية.
الكل يقر أن لبنان مبني على توافقات إقليمية ودولية، وأن هذه التوافقات عطلت الاتفاق بين الأطراف المتنازعة في لبنان منذ 20 شهرا، وأن الكثير من المحللين والسياسيين حالهم حال كاتب هذا المقال لم يعولوا كثيرا على المبادرة العربية الأخيرة باعتبارها لن تختلف عن المبادرات السابقة في شيء، وحتى إن كان الوفد العربي هذه المرة يتشكل من 8 وزراء خارجية وأمين عام الجامعة العربية ويرأسهم رئيس وزراء قطر. ومع ذلك لا أعتقد أن ما يجري في العراق له علاقة بما جرى من مفاوضات لبنانية وصلت إلى حد إعلان فشلها والعودة إلى نقطة الصفر، مثلما لا أعتقد أن مستقبل إنهاء الملف النووي الإيراني يمكن أن يربط باتفاق الدوحة، فقضية العراق وما يجري فيه هو حصيلة شهر من الاقتتال الشيعي - الشيعي ونحو شهر من المفاوضات لإنهاء الاقتتال الذي نتج عنه اتفاق لوقف إطلاق النار مقابل دخول القوات العراقية إلى معاقل جيش المهدي، وهو اتفاق خرج فيه التيار الصدري منتصرا بالإبقاء على سلاحه وعدم حل جيش المهدي. أما على صعيد إنهاء الملف النووي الإيراني فالموضوع أبعد من كونه مطلبا إيرانيا أو أوروبيا أو حتى أميركيا، فبوجود الرئيس بوش في البيت الأبيض المتمسك بآرائه الأيديولوجية يبقى من المستبعد إيجاد حل تسووي بين طهران وواشنطن. كما أن ملف السلام بين سورية و «إسرائيل» لا يختلف كثيرا عن الملف الإيراني فما زالت واشنطن ترفض قبول فكرة وجود سورية قوية ومتفاهمة مع محيطها وجيرانها في المنطقة، ولعل ما تم كشفه بعد حرب يوليو/ تموز 2006 أكد رفض واشنطن رغبة تل أبيب في توقيع اتفاق سلام مع دمشق.
اتفاق الدوحة لا يمكن أن يعد صفقة أميركية بقدر ما هو اتفاق اقليمي غير مبرم على ضرورة ايجاد حل.
أما على الصعيد الداخلي فهو صفقة وطنية لبنانية نجحت قطر في جمع أطرافها وتحقيق المصالحة التي إستعصت على كل المحاور الأقليمية والدولية.
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 2086 - الخميس 22 مايو 2008م الموافق 16 جمادى الأولى 1429هـ