نقرأ الحياة ونحاول التعرف عليها، نرى الشغب والاستعمار في كل البلاد العربية، يموت الكثيرون يوميا دونما ذنب بسبب الاحتلال والحروب، ويتشوه آخرون!
أكتب وأنا أشعر بسرعة دوران الأرض وحرارتها التي تكاد تخترق الرأس فتمتص منا كل الحيوية والحياة، والطامة التي استجمعناها شتاء! فنزداد عصبية ويكاد دوي الحرارة ولهيبها أعداء كل هدوء وتركيز لمواصلة الحياة!
ومع ذلك تبدو الحياة عادية... ونحن نسير في شوارعها في طابور السيارات الطويل والبعض يحول الشارع إلى ساحة للسباق، من دون اعتبار للآخر!
وعلى أية حال يولد ستمئة شخص ويموت ثلاثمئة كل ثلاث دقائق، وفي خلال الثلاثين دقيقة وفي وقت إنهاء هذا المقال يكون قد مات ثلاثة آلاف وولد ستة آلاف ومئتا شخص، رأوا الحياة ونورها للمرة الأولى... وتبدأ عائلات في البكاء والنحيب ولبس السواد وتوزيع الشاي والقهوة، وأخرى تفرح وتضحك وتوزع الحلاوة والشيكولاتة والورود!
هذا في الأحوال الاعتيادية... وتتضاعف عدة أضعاف أعداد المغادرين من هذه الدنيا في بلادنا بسبب الحوادث والحروب كما ذكرت.
وقد يرتاح الكثير من المغادرين، ويريحون عائلاتهم... بسبب معاناتهم الطويلة مع الأمراض المزمنة والخطيرة... على رغم فقدانهم لهم.
كما يموت بعض من الذين وُلدوا لأسباب منها المرض أو المجاعة أو الإهمال ومن دون ترك أي أثر لمجيئهم أو ذهابهم السريع ودونما ذنب اقترفوه! وقد يُرمى البعض عند أبواب الملاجئ والمستشفيات ويعيشون حياة ملؤها القسوة والعذاب، ولا يعرف أحد ما هي حكمة الحياة من كل تلك المنغصات.
نرى أنه من النادر أن يفكر الناس في الموت... فقد تمضي الحياة في القلق وفي تفاهاتها، وتأجيل الأمور وإهمال اللحظات السعيدة والمهمة والتذمر الدائم من كل شيء بحيث يعيشون لحظات من الجبن، وفيهم الكثير ممن لا يحب المغامرات حتى لو كانت سببا في تغييرٍ أساسيٍّ لحياتهم، ويغفلون عن الساعة الحاسمة في اتخاذ القرار الأساسي!
ويستمر العزوف عن أية تجديدات، وتستمر حياة الملل والقرف لفترات طويلة، وربما للأبد ولحين توديعهم الحياة رمز الوجود... ولو أنهم تفكروا ولو للحظة في أن الموت قادم عما قريب أو حاولوا تغيير النمطية المملة لقاموا بأعمال جبّارة قد تضيف الكثير إلى علاقاتهم والسمو في حياتهم.
إن الهنود الحمر يحددون يوما خاصا يسمونه «يوم مغادرة العالم» بعد أن شعروا بأنهم قد أنهوا مهماتهم الأساسية في الحياة لهم ولمن حولهم... ويستعدون لاستقبال عالم جديد وتوديع عالمهم الذي بات منتهيا ويدركون ذلك من وهن الجسد وتعب الروح... وحينما لا يتمكنون من تحمل أعباء الدنيا ومتاعبها يوزعون ما يملكونه ويودعون أحباءهم ويجلسون تحت شجرة يأخذون منها الطاقة اللازمة لرحيلهم!
ويذكرون في كتاباتهم أن من يتقبل الموت ويضع تلك الحقيقة أمامه هو الذي يكون الأكثر عطاء وهو الذي سيغادرها من دون عناء أو بكاء أو نحيب عليها! والشيء الأكيد أننا سنموت جميعا، ولكن كم منا يقبلون على الحياة وهم مدركون لهذه الحقيقة؟
إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"العدد 2085 - الأربعاء 21 مايو 2008م الموافق 15 جمادى الأولى 1429هـ