الأمم الناجحة على مر التاريخ أمم متسامحة فيما بينها، وهي لذلك تفسح المجال للتنوع الثقافي والإثني بداخلها، وقد وصف سبحانه وتعالى الأمة الإسلامية «رحماء بينهم»، وهذه الرحمة التسامحية بين فئات الأمة هي اللبنة الأساسية لعزتهم ورفعة شأنهم.

وفي عصرنا الحالي نرى أن واحدا من أكبر الشخصيات السياسية المؤثرة هي نيلسون مانديلا، ولعل الإنجاز الأكبر لهذا الرجل العظيم أنه خلق وطبق نهج التسامح في بلاده واستطاع أن يخرج من ظلام التمييز ولم يتحول مجتمعه إلى التقاتل بعد إصلاح الأوضاع السياسية في مطلع التسعينات من القرن الماضي.

التسامح يتطلب ثقافة تفسح المجال لبحث مشكلات الماضي وثم تجاوزها، بينما الثقافة التي تحاول إغفال الماضي تقوم بتكرار الأخطاء وتعيش في الماضي، ولا تستطيع أن تتحرك نحو مستقبل أكثر إشراقا... والأسوأ من كل ذلك هو انتشار ثقافة الانتقام والاستئثار والإقصاء والتهميش التي تدمر نسيج المجتمعات وتخلق بيئات سياسية غير مستقرة نفسيا وغير مستقرة سياسيا أيضا.

التسامح يتطلب إرادة قيادية في أطراف المجتمع والدولة، بمعنى أن أصحاب النفوذ والقرار في الدولة يجب أن تكون لديهم إرادة لا رجوع فيها نحو خلق ثقافة تسامحية، كما يتوجب أن يكون أصحاب النفوذ في المجتمع ممن يؤمنون بالتعايش المتسامح مع التاريخ والمتسامح مع الأطراف الأخرى والمتسامح مع النفس.

ولعلنا في البحرين نعاني من عدم وجود رواد للتسامح يواصلون عملهم بوضوح ويتحدون كل الطروحات السلبية التي يبشر بها أصحاب النفوذ في مواقع مهمة في الدولة والمجتمع. فلدينا نافذون ومتنفذون يبشرون بثقافة الكراهية ويمارسون التمييز ويعتمدون ثقافة احتقار الآخر واستهداف الآخر وإقصائه وحرمانه قدر الإمكان.

إن ثقافة التمييز لا تنتمي للمجتمعات المتحضرة، ولا يوجد من استطاع أن ينهض ويستمر في النهوض بالاعتماد على التفريق والتفتيت والتفضيل القائم على الكراهية والأحقاد بين فئات المجتمع.

إن من المهم إيجاد الآليات الفاعلة التي تمنع التمييز وتمنع نشر ثقافة الكراهية ضد النظام وتمنع نشر ثقافة الكراهية ضد أية فئة من فئات المجتمع، كما يتوجب أن تكون هذه الآليات ليست مجرد شعارات وحبر على ورق، وإنما واقع ملموس ومدعوم من القيادات العليا