العدد 2085 - الأربعاء 21 مايو 2008م الموافق 15 جمادى الأولى 1429هـ

سنّة أو شيعة جميعنا مسلمون

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

بثت محطة (بي بي سي) العالمية أخيرا آخر حوار في الدوحة بشأن موضوع «النزاع السني الشيعي يؤذي سمعة الإسلام كدين سلام».

الموضوع آن أوانه وهو موضوع حساس جدّا من حيث الوقت لأنه سؤال لا يمكن طرحه الآن، ليس لأن الصدع السني الشيعي ظاهرة جديدة فهو يشكل فجوة تاريخية ظهرت كخلاف سياسي أصبح فيما بعد دينيا. ولكن البعد السياسي تسبب في الواقع بجعله خلافا ضخما.

أعترف بذلك، على رغم أنني تحدثت ضده في الدوحة، لأن الضرر لسمعة الإسلام هو أكثر بشأن الإثارة في الإعلام ويركز على العنف المسلم بشكل عام وليس العنف السني الشيعي. إلا أن موضوع الحوار أبرز سؤالا آخر بالنسبة لي: في خضم النزاع السني الشيعي الموجود في بعض جيوب العالم الإسلامي، ما الذي نفهمه عن ماهية الإسلام؟

لنكن واضحين: لا يتفق المسلمون على كل شيء. لدى المسلمين مذاهبهم الأربعة في القانون، ولدى الشيعة تقاليدهم الخاصة بهم بشأن إرساء قواعد الرأي المستقيم. وهناك ضمن المجموعتين مفهوم احترام الفروقات في الرأي، والتي تحترم وتبجَّل داخل كل من المجموعتين. وفي الحوار بين السنة والشيعة يتخذ المفهوم نغمة مختلفة. يجري تحمل الفروقات على مضض ولكن بتفاهم شرطي مهم: كلتا المجموعتين من المسلمين.

قام علماء الدين المسلمون من السنّة قبل فترة طويلة بالاتفاق على أن «الموقف المعتمد عليه» بالنسبة للسنة هو أن الشيعة في الواقع مجتمع مسلم. هذا الوضع «المعتمد» هو نوع محدد من موقف الرأي المستقيم الذي يصعب تحديده، بسبب التنوع الموجود داخل الإسلام السنّي. ولكن فيما يتعلق بهذا الموضوع، فقد تم إرساء قواعده وطالما كان جزءا من الرأي التاريخي المستقيم الذي يميز الإسلام السني إلى حد بعيد.

أما على الجانب الشيعي فقد حدث الشيء المماثل بشكل عام: قد يكون السنة على خطأ، حسب قول علماء الدين، وقد تكون وجهات نظرهم بشأن الإسلام على خطأ. ولكنهم مسلمون في نهاية المطاف.

مع نمو الحركة الوهابية في نجد بالمملكة العربية السعودية أصبحت التوترات أكثر بروزا، (ليس فقط بالنسبة للشيعة وإنما للمسلمين الآخرين من غير الوهابيين)، ولكن ليس إلى درجة العنف الشديد كما نرى اليوم. لم يمنع، حتى الزعماء الأكثر تشددا من الوهابيين، الشيعة من القدوم إلى مكة والمدينة للحج.

قبل بضع سنوات أصبح من الواضح بالنسبة للزعماء في المملكة الأردنية الهاشمية أن الفصل الذي اعتنقه السنة والشيعة بشكل متبادل تعرض لخطر الإساءة من قبل مجموعات خارجية لتبرير العنف، كما حصل مع المسيحيين. إلا أنه بعكس المسيحية، إذ وقعت حروب دينية حقيقية، مثل تلك بين المسيحيين والبروتستنت اتخذ العالم الإسلامي خطوات لم يسبق لها مثيل. لدى رؤيتهم بأن عقيدة «القاعدة» تشكل تهديدا للتعايش السني الشيعي في العراق وغيرها، اجتمع علماء السنة والشيعة بهدف دحض تلك العقيدة.

قام هؤلاء العلماء بإيجاد منبر قرر فيه كبار علماء العالم الإسلامي السنة والشيعة بمن فيهم الحبيب بن علي الجفري من أبو ظبي من مؤسسة «تباح» أنه «كفى». وقد أعلنوا أن السنة والشيعة هم مسلمون وأنه يجب ألا يقع العنف بينهم أبدا.

كان منبرا متحدا لهزيمة العدمية المجرمة التي تحاول «القاعدة» نشرها. سميت تلك الرسالة رسالة عمّان، وجرى توقيعها في يوليو/ تموز 2005. منذ ذلك الحين قام مئات آخرون بتوقيع ذلك الإعلان على الإنترنت.

بعد ذلك بشهرين أعلنت «القاعدة» حربا شاملة على الشيعة في العراق لم يسبق لها مثيل في تاريخ المسلمين. وبعد شهرين آخرين استهدفت عمّان في مذبحة مريعة للأبرياء. إلا أنها فشلت في إيقاف قوة الاندفاع. قام كثيرون في أنحاء العالم كافة بتوقيع رسالة عمّان الأصلية وقاموا بتطوير صور محلية خاصة بهم منها.

تحدث الزعماء السياسيون في العالمين السني والشيعي بوضوح، من السعودية الوهابية بشكل رمزي إلى شيعة إيران المتشددين. قد يختلف الطرفان عن بعضهما بعضا ولكنهم لن يسمحوا لأحد، «القاعدة» أكان أو غيرها، مسلم أو غير مسلم، أن يثير السنة على الشيعة أو العكس.

أنا مهتم شخصيا بشكل خاص في ما إذا كان الإسلام معرفا كدين سلام أو دين حرب أو غير ذلك. المهم أن تكون لنا تعاريف ذات كفاءة وسلطة. يحاول الكثيرون المطالبة بالسلطة للقيام بذلك: جهابذة الأميركيين والمتطرفين الأصوليين، اختر ما شئت. ولكن ما علينا أن نفعله هو أن ندرك من الذي يملك تلك السلطة.

يقوم خبراء الإسلام أنفسهم بشرح هذه التعاريف: العلماء وعلماء الدين والفقهاء والروحانيون الذين جددوا مواقعهم من خلال رسالة عمّان وقالوا لبعضهم بعضا: «قد نختلف مع بعضنا بعضا ولكن يجب ألا تصبح هذه الخلافات أبدا سببا للعنف». ردت «القاعدة» في العراق بأن حاولت فرض سلطتها الدينية.

الخيار سهل بالنسبة لنا جميعا

هل نعترف بأن بإمكان الأصوليين المتطرفين تعريف الإسلام من خلال احتياجاتهم الإجرامية؟ أم هل نرسل لهم رسالة مفادها أنه بغض النظر عما يحاولونه، في عمّان وفي العالم الإسلامي ونيويورك ولندن ومدريد وما وراءها، لن يكون للمتطرفين المجرمين السلطة على تعريف أي شيء؟

أعرف ما أقوله لهم: «ستخسرون، وستفوز الحضارة».

* زميل في جامعة وورويك وعضو في مركز أوكسفورد للدراسات الإسلامية والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2085 - الأربعاء 21 مايو 2008م الموافق 15 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً