صامتا ينتخي له زاوية من كل صالة يدخلها، يراقب كل التحركات على سطح تلك الخشبة بتعمق، وعيناه تلتهمان بشراسة كل خطوة، كل لفتة، كل تلويحة يد، وطرفة عين أو شفة، وأذناه تلتقطان كل عبارات النص من أفواه الممثلين، ليكون الختام ابتسامة رضا، أو نظرة أسى صامتة، أو توجيها مسرحيا... تكبد عناء مشوارٍ طويل كي يحقق للمسرح البحريني اسما وصيتا.
هو بلا شك رمز المسرح البحريني عبدالله السعداوي، الذي وإن همدت الأصوات المنادية بتفريغه للمسرح، سيظل هناك مكان لحجر آخر نضعه في عنق الزجاجة، كي يتسنى للطائر أن يرق فمه من الماء المترسب في قعرها.
السعداوي الذي نشط محبوه وعشاق فنه بدعم الصحافة لتفريغه للعمل المسرحي، ما كان لهم اختيار هذا الشخص دون سواه إلا لما له من خطوات منقوشة في دروب المسرح، الذي حقق له، وقدم لبلده أفضل ما يمكن لمواطنٍ أن يقدمه، لذلك فهو يستحق في تقديري أن يكون عميدا لهذا الفن، على رغم كونه آخر المهتمين بالألقاب والمناصب والشهرة، إذ همه المسرح، وما بعد المسرح هو المسرح، حتى بات يتنفس في حياته الهموم والمواقف، ليخرجها زفرة على خشبته الأثيرة.
لن يكون الحديث عن تفريغ السعداوي مكررا يوما طالما هو حيّ بيننا، إلا أنه سيصبح نمطيا وتقليديا لو أصبحت عناوين الصحف عن إقامة نصب له، أو وضع جائزة باسمه تخليدا لذكراه بعد رحيله؛ حينها يصبح الحديث نمطيا كأي حديث عن مبدعي العرب الذين غدوا دون أن ينحني لرؤيتهم أحد.
السبق لك الآن يا وزير الإعلام، إذ أثبتت أنك شخص يليق بأن يكون الحاضن للثقافة والفن والأدب في البحرين، فلا يغيبنّ عنك أمر هذا البحريني المعطاء، فالقلوب مازالت تبحث عمن يعي قيمة هذا الشخص المبدع ويقوم باحتضانه، تفريغه، دعمه، تمكينه، أيا يكن.
العدد 2085 - الأربعاء 21 مايو 2008م الموافق 15 جمادى الأولى 1429هـ