العدد 2084 - الثلثاء 20 مايو 2008م الموافق 14 جمادى الأولى 1429هـ

المساجد التاريخية والمقامات

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الكتابة عن تعمير مسجد الصحابي صعصعة بن صوحان العبدي في جزيرة البحرين، كتابةٌ يختلط فيها الماضي بالحاضر، والتاريخ بالجغرافيا، والبيئة والوعي الحضاري... وحتى السياسة.

من يقرأ التاريخ، يدرك أن الحديث في هذا المجال يحتاج إلى حذرٍ واحتياط، ليس لأنه مملوءٌ بالألغام السياسية والمذهبية فحسب، بل لازدحامه بالحقائق المبتورة والأكاذيب، فضلا عن النقص وتشويه المعلومات. وهي مشكلةٌ يمكن أن تدركها اليوم حين تتابع الإعلام المسيَّر بالبترودولار، الذي يحوِّل «خدَّام» المشروعات الاستعمارية الجديدة إلى أبطال، ومن يقاومها إلى متآمرين وأشرار. هذا في الحاضر، فكيف يمكنك أن تتناول شخصية صحابي مثل صعصعة، يمثل شيئا كبيرا للبحرين.

إحدى القارئات أشارت إلى وجود مقامين (من دون قبر) لصعصة وأخيه زيد في مدينة النجف الأشرف بالعراق، وبُهرت «لوجود مقامين لهذين الرجلين الشريفين لأنهما زارا ذلك الموقع فبُني لكل منهما مسجدٌ يحمل اسمه» كما تقول. وفي العراق كثيرٌ من مقامات الأنبياء وأهل البيت النبوي والصحابة الكرام وحفظة القرآن والشهداء الأبرار، يحرص الزائرون من داخل العراق وخارجه على ارتيادها والصلاة فيها، ولعل أكثرها يوجد في مدينة الكوفة، عاصمة الخلافة في أيام الإمام علي (ع).

هذه المساجد والمقامات، يوجد لها نظائر في المدينة المنورة، وهي المعروفة بالمساجد السبعة، وهي منطقةٌ جميلةٌ تحوطها الأشجار وتسحر الألباب، أو هكذا كان شعوري حين زرتها قبل سنوات. كما يحرص على زيارتها الحجاج والمعتمرون، لأنها تذكرهم بتاريخ دينهم العظيم.

هذه المساجد صغيرة المساحة، بالكاد تتسع لبضعة أفراد، ويعود تاريخها إلى عام خمسةٍ للهجرة، حين همَّت قريش بغزو المدينة، فأشار سلمان الفارسي (رض) بحفر الخندق. ومع الشروع في التنفيذ تم بناء عريشةٍ للرسول (ص) أقيم مكانها مسجد الفتح. وأسماء المساجد تكشف أسماء من رابطوا في تلك الأماكن: سلمان الفارسي (رض)؛ أبوبكر الصديق (رض)؛ عمر بن الخطاب (رض)؛ سعد بن معاذ (رض)؛ فضلا عن فاطمة الزهراء (ع) التي يُروى أنها كانت تأتي بالغذاء لأبيها وزوجها في تلك الغزوة؛ ومسجد علي بن أبي طالب (ع)، حيث أوقع بعمرو بن ود العامري الذي اجتاز الخندق بفرسه في إحدى النقاط.

هذه المساجد لا يفصلها غير عشرات الأمتار، ولذلك ينزل الزائرون من الحافلات جماعات جماعات، ليصلُّوا في تلك البقعة المباركة، ويستذكروا نفحات من تاريخهم المجيد.

هذه المساجد بُنيت بحسب بعض المصادر، في زمن الخليفة الأموي العادل عمر بن عبدالعزيز، وأعيد تجديدها مرتين آخرها في العهد العثماني، والمأمول أن تطالها يد الإعمار التي شملت الحرمين الشريفين في السنوات الأخيرة، فهي من أقدم المساجد وأكثرها ارتباطا بالتاريخ.

نحن في البحرين لدينا مسجدٌ واحدٌ فقط يحتضن قبر الصحابي صعصعة بن صوحان، الذي قال عنه العسقلاني في «الإصابة»: «له رواية عن عثمان وعلي، وشهد صفين مع علي، وكان خطيبا فصيحا»، وذكره الذهبي فقال: «ثقة معروف»، ونقل القول بوثاقته عن ابن سعد والنسائي. وحريٌ بالبحرين أن تسارع إلى إعماره بما يليق بهذه الشخصية الجليلة، بعيدا عن الآراء المتطرفة المخالفة لإجماع المسلمين سنة وشيعة في مختلف الأقطار والأعصار، والتي تريد أن تفرض وصايتها على عقائد الناس، وتحتكر لنفسها مفاتيح الجنة والنار.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2084 - الثلثاء 20 مايو 2008م الموافق 14 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً