العدد 2084 - الثلثاء 20 مايو 2008م الموافق 14 جمادى الأولى 1429هـ

لقد تأخرتَ كثيرا يا صاحبي

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

عند التوقف على الكثير من الأمور نجد أن هناك تدخلات حكومية واضحة وجلية في مفاصل العمل السياسي عموما والعمل النيابي خصوصا، مهما حاولنا غض الطرف أو تهوين المسائل. يبدو أن الخطط الحكومية اليوم تتجه إلى السكوت في بعض المحطات، بعد أن انفضح أمرها وانكشف للجميع وبات من المخزي أن تتدخل أكثر مما تدخلت فيه سابقا. تبعا للمواقف، بدأت باختبار فاق التصور، ولم يتفاجأ به فقط العامة أو المتابعون بل استغرب أيضا منه من هو جزء من العملية السياسية وجزء من اللعبة في مسرحية غير محبوكة العقدة؛ لأن الأدوار هذه المرة لم توزع بعناية تامة.

هذا التحليل أسوقه من خلال ما تمخض عنه وزير شئون مجلسي الشورى والنواب عبدالعزيز الفاضل في الجلسة الأخيرة لدور الانعقاد الثاني فولد فأرا أحدث هزة بعد سلسلة الاهتزازات، بعد أن كان جالسا مستمعا جيدا لكل ما دار في الجلسة من مهاترات ومناورات سياسية، وقيل وقال، وبعد تراشقات وتهم بالجملة بين الأطراف المشاركة في الجلسة، والكتل النيابية التي فارقتهم الحميمية، والألفة في آخر جلسة، معبرين عن تململهم من الديمقراطية تارة، ومن مواجهة أداءاتهم من جهة أخرى فضلا عن مشاهدة وجوه بعضهم بعضا مشتاقين أكثر إلى إجازة برلمانية هادئة بعيدة عن الضجيج البرلماني.

ماذا قال وزير شئون المجلسين بعد أن تقررت إدانة الوزير بن رجب وبراءة عطية الله؟ قال في مداخلة قصيرة جدا له: «أريد أن أوضح أن الأصل في الاستجواب هو البراءة وليس الإدانة، وأن اللجنة هي التي أوكل لها المجلس دراسة الاستجواب» فرد عليه الظهراني: «كان يجب أن تقول ذلك باكرا».

ما أطلبة اليوم من القارئ الكريم أن يتأمل جيدا في ما قاله الفاضل وفي ما رد عليه الظهراني. لا أطلب فقط التأمل بل الموضوعية الصادقة في التأمل والتحليل؛ لئلا نكون - لا سمح الله - متعصبين أو موتورين برأي معين.

من الممكن تلخيص موقف الظهراني من رأي الحكومة في موضوع إدانة بن رجب بما عنونت به مقالي اليوم «لقد تأخرت كثيرا يا صاحبي» تماما كالقول الذي ذكرته النملة للثعلب في إحدى القصص عندما تحدته في سباق وفازت عليه فتفاجأ الثعلب من ذكاء النملة وكسبها الرهان. واضح جدا أن الظهراني لعب الدور المنوط به بحرفية تامة. استخدم مطرقته ولكنه لم يرفع الجلسة ولكن التأخر هنا يبدو بشكل جدّ مكشوف بأنه مقصود ومتعمد، وإلا ما الذي يدعو الوزير إلى أن يقول ما قاله في الوقت الضائع؟ بعد أن تقرر ما تقرر، وبعد أن انفضت تقريبا الجلسة بل انفض دور الانعقاد الثاني؟

وعلى رغم أن مضمون ما يذهب إليه بخلاف ما هو يدفع به من قبل الرئاسة ومن قبل كتل المؤيدة للسلطة، فهل يريد أن يقول للوزير بن رجب وحاشيته إن الحكومة أصلا لم تتخلَ عنه، وإن موقفها منه يتلخص بما قاله وإن الحكومة لا تميز في موقفه تجاه الوزراء على رغم المفارقة الواضحة؟

إذا كان ذلك هو الهدف أعتقد أن الهدف نفسه لم يتحقق، إذ إن الحكومة قد تخلت عنه فعلا بدليل رد الظهراني على الفاضل: «كان يجب أن تقول ذلك باكرا». واضح جدا أن القول الباكر قد تحقق فعلا بالنسبة إلى موقف الوزير الشيخ أحمد بن عطية الله بدليل الاستنفار في مواقف الكتل وموقف الرئاسة في الجلسة وإدارته السيئة كل مجريات الأمور «أنا ومن بعدي الطوفان».

ليس المهم أن تخرج أكبر الكتل البرلمانية مستاءة من الرئاسة بمن فيهم رئيس لجنة الشئون المالية والاقتصادية. وليس المهم أن يتم تجاهل توصيات اللجان بعد تمحيص الاستجوابات والتوقف على العديد من الوثائق، ولكن المهم أن تنطق الغلبة بالرأي والقرار، إن كان القرار مصادرا لرأي اللجان ولرأي عدد كبير لا يستهان به من النواب. هل ستعود الكتل بعد إجازتها الصيفية الطويلة بحلول ترقيعية لإصلاح ما تم إفساده في الجلسة الأخيرة لدور الانعقاد الثاني؟

لا أظن أن هناك نفسا قادرة على تصحيح الأوضاع وإعادتها إلى نصابها الصحيح. أصلا لا وجود لجدية في التعاطي مع هذا البعد، وإن كان هناك بعض الآمال هنا وهناك فإن الآمال في الغالب لا يعتد بها ولا يمكن أن تصنع المعجزات. أظن ما حدث له ترسباته الخطيرة على علاقة الكتل ببعضها بعضا ومستقبل العمل السياسي عموما والنيابي خصوصا.

أن تعود الكتل وتتسامح من بعضها بعضا بعد قضاء إجازة طويلة، يأتون مشتاقون إلى المجلس والمطاحنات والمشاحنات من جديد، ينطبق عليهم ما انطبق على وزير شئون المجلسين بالتأخر الكثير بعد أن طارت الطيور بأرزاقها.

لا مكاسبَ متحققة من التدخل الحكومي السافر في أعمال المجلس، ولا مكاسبَ ستتحقق إذا ما ظل المجلس النيابي حكومة ظل للحكومة نفسها، ولا مكاسبَ من الممكن تحقيقها إذا ما بقي أعضاء المجلس النيابي أدوات في يد المتنفذين ونواطيرَ وحراسا لهم، ولا مكاسبَ من الممكن تحقيقها إذا وضع النواب أيديهم في يد الحكومة وخاصموا الكتل الوطنية التي همها هم المصلحة الوطنية، نقول ذلك بحرقة وحرارة.

وليكن درس الفاضل درسا مفيدا للجميع، لا نحمل رسائلَ إيجابية ونلقيها في اللحظة الأخيرة؛ لأنها تحسب علينا لا معنا.

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 2084 - الثلثاء 20 مايو 2008م الموافق 14 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً