العدد 2084 - الثلثاء 20 مايو 2008م الموافق 14 جمادى الأولى 1429هـ

مراكز تحفيظ... أم مراكز تحقيق؟

مريم الشروقي maryam.alsherooqi [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

مفهوم خاطئ عند بعض «مشايخ أحد مراكز التحفيظ» القابع في إحدى مناطق محافظة المحرق، بفهم المعنى الحقيقي لأصول العقيدة والايمان بها، وتطبيق الوجهة الدعوية الصحيحة التي حثَّ عليها ديننا الحنيف.

ومن هنا تبدأ الحكاية، اذ قام هؤلاء المدّعون لـ «المشيخة الدينية» باستخدام أحد مراكز التحفيظ في شئون لا تمت بصلة لأغراضه، ودبّوا أنوفهم في قضايا لا تخصّهم، فباشروا تنصيب أنفسهم بـ «أمن الدولة» الذي انتهى منذ العهد الإصلاحي لجلالة الملك، وقام جواسيسهم بالتحريات المطلوبة، وعمل اللازم من تسجيلات لبعض الناس، في محاولة فاشلة ودنيئة لإيقاعهم في أمور لم يفعلوها، حتى يبرهنوا للناس صدق نواياهم في جمع المال وخبث الآخرين في جمعه، وذلك ليستولوا على النصيب الأكبر للضغط على الناس من خلال التبرعات.

ومن ثم قام «أبو العرّيف» القائد الأعلى لهذا المركز بجمع الأدلة والبراهين اللسانية التي جاءت من هذا وذاك؛ ليثبت نجاح عمليات التحقيق واحدة تلو الأخرى، وإلصاق التهم على بعض المساكين الذين لا يستطيعون التصدي له أو لغيره، ظنا منهم بسلطته في ترحيلهم وأهلهم من مملكة البحرين، ولكأنه الجهة المسئولة عن أمور الجوازات والهجرة، ممارسا بعض الضغوط النفسية أو ضغوط (الواسطات والنفوذ) على الناس من دون وجه حق.

إن «أبو العريف» هذا من الشخصيات العجيبة في لفّ الحقائق، وتقويل الناس بما لم يتفوهوا به، وتخويفهم بعناصر دينية بارزة في المملكة، وفي شخصيته أتذكر مقولة لأحد الحكماء قال فيها: «إنّ أضعف الأسود أكثرها زئيرا»، وإن كنا نختلف بتشبيهه باسم الأسد؛ فهو أبعد ما يكون عن شجاعة الأسد في الجرأة والوضوح أو الانقضاض على الفريسة.

لقد تناسى «أبو العريف» بأنّه لا يحق له هو ولا غيره بقذف الآخرين في سلوكياتهم أو ما يقومون به من دون وجود دليل مادي تقبل به النيابة العامة أو المحكمة، ولا يحق لأحد استخدام «واسطته» في إخراج من يختلف معه في الاتجاهات، وقانون المملكة واضح ويذكر تجريم هذه التجاوزات، وتجريم السب والقذف والشتم وامتهان الناس وذلّهم، فالذي يحقق مع الناس هي السلطة المختصة بالتحقيق إما في النيابة العامة أو المحكمة.

لقد واجهتنا الكثير من الموجات في التحقيقات الجنائية وإفرازاتها، ولكن هذه الموجة الجديدة من التحقيقات الخبيثة داخل بيوت الله، وفي مراكز تدّرس فيها آياته الكريمة لهي من أشد الفتن الموجودة في الساحة.

إننا بتنا في حيرة من أمرنا في شئون هؤلاء المتفلسفين والمتأسلمين، حيث نجد أن الكثيرين منهم يبدأون بتحفيظ القرآن الكريم، ومع الأيام يكتشفون مواهب أخرى لديهم، يستثمروها ويقوموا بصقلها في مراكز التحفيظ، ومن أفضل هذه الاستثمارات معرفة الاستراتيجيات الناجحة في أصول التحقيق وتطبيقها على «خَلق الله»!

وأصبح المرء يتخوف من إرسال ابنه الى احدى هذه المراكز، حتى لا يتم التحقيق معه أو رسم المكائد له، وإرساله إلى جهات عليا في مراكز التحفيظ نفسها ليتم التصديق على القضية، حتى يخضع ويتقولب بقالبهم الذي يريدونه.

الأمر المضحك والمبكي هو أن يسن بعض الأفراد الجاهلين قوانين خاصة بهم، حيث يحققون مع الناس ويرعبوهم ويدمروا سمعتهم، باسم الحفاظ على أموال الآخرين أو غيرها من الحجج الواهية.

ولا نستطيع أن نتصور الخروج من بيوتنا راضين وآمنين، لنتفاجأ بأحد الناس العاديين والمدّعين للطهرانية أن يتهمنا بالاختلاس أو هتك الأعراض ويحقق معنا، في دولة القانون والتشريعات!

هل أصبح المواطن والأجنبي يتلقى الأوامر ويُحقق في أمره من قبل بعض مراكز تحفيظ القرآن؟ أم هناك قنوات رسمية في الدولة لها الحق والصلاحية في التحقيق وحفظ أعراض الناس وأموالهم من كل شر!

كان الأحرى بهؤلاء المدّعين أن يتوجهوا إلى القناة المسئولة عن ذلك، وألا يتخبطوا ويحققوا مع أي كان سواء التهمة ملتصقة به أم لا.

لقد انتهى قانون الغاب منذ قرون وحلّ محله القانون التشريعي بسيادة الدولة، ولكن ما نجده من أمر شنيع عند بعض المتأسلمين، الذين لم يقرأوا كتاب الله أو سنّة نبيه بتمعن في كيفية التعامل مع الآخرين. وهنا نتذكر قول الله عزّ وجل في كتابه: «إدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة»، (النحل: 125) ، وما قام به «المحققون المتفلسفون» في هذا المركز ينافي الحكمة والموعظة الحسنة.

وسواء كان هؤلاء يريدون أن يوحوا لنا في كتابة الموضوع بالصحف المحلية، أو كانوا يريدون غلق الموضوع فيما بينهم، فإننا نناشد الجهات المسئولة في الدولة بسن قوانين تضبط التجاوزات التي يقوم بها بعض القائمين على مراكز تحفيظ القرآن، والتي تؤثر سلبا في سمعة المكان الذي هم فيه، خصوصا مع تكاثر عدد الأفراد الموجودين في قائمتهم السوداء.

وللحديث بقية!

إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"

العدد 2084 - الثلثاء 20 مايو 2008م الموافق 14 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً