الصمت المستمر من قبل لجنة الإعمار والإسكان منذ أكثر من شهر إزاء ما يشاع عن «تبخُّر» الوعود المتعلقة بوحدات المدينة الشمالية يبدو مقصودا، ويخفي معه مفاجآت ربما تكون أقسى مما كشف عنه رئيسا بلدي العاصمة والشمالية.
لا تبرير آخر يجعل من صمت اللجنة «حكمة»، مادام 20 ألف رب أسرة واضعين أيديهم على قلوبهم بانتظار الكلمة الفصل التي تطمئنهم على بيوت إسكانية «لائقة» كانوا وعدوا بها. وما محاولات، رئيس بلدي الشمالية يوسف البوري وغيره من المهتمين، استنطاق اللجنة المعنية بالمشروع التي باءت بالفشل إلا إمعانا واضحا في لغة التخطيط السري خلف الكواليس، على طريقة «ليس كل ما يُعرف يُقال» وإن كان فيه تهدئة آلاف النفوس على طلباتها المتكدسة في طوابير الإسكان. فرق شاسع بين ما تتشدق به الدولة من برامج الاستيطان البشري التي تحصد من ورائها أعلى «التقديرات الدولية» وبين الواقع السكني المؤلم الذي يتغافل عنه الإعلام ويهاجم بشراسة كل من تسول له نفسه فضحه على المستوى الداخلي أو الخارجي. وبين الاثنين فاصل صك المواطنة الحقيقية، فإما معي وأنت «خوش» مواطن، وإما عليّ وأنت بلا مواطنة!
لا مستحيل أمام الإرادة السياسية
في الورقة التي قدمتها مملكة البحرين خلال المؤتمر الإقليمي «المبادرات والإبداع التنموي في المدينة العربية» الذي عقد بالأردن يناير/ كانون الثاني الماضي، وتحت عنوان «سياسات التخطيط العمراني ودورها في التنمية المستدامة والشاملة للمجتمعات العربية»، جاء ضمن توصيات الورقة البحرينية «أهمية الأخذ بمفهوم النظام التخطيطي الشامل بمفاهيمه الفرعية وتطبيقاته العملية، كوسيلة معاصرة وضرورية لتطوير التخطيط العمراني على مستوى كل دولة. والعمل على دمج مفهوم التنمية المستدامة، والمجتمعات المستدامة في صلب العملية التخطيطية العمرانية الشاملة». والبحرين التي تتعامل مع هذه التوصيات بصورة مقلوبة تصب في صالح المتنفذين والطبقات العليا لم تنس في ورقتها أن تزيل هاجس الإحباط الشعبي من غموض سياسات التخطيط والإسكان، فركزت الورقة على أن «الأمل في تحقيق المستحيل، له مؤشرات حالية إيجابية، ناجمة عن ظروف ومتغيرات راهنة، يمكن في حال حسن استخدامها وتوظيفها تحقيق هذا المستحيل»، وضمنت عوامل تبديد اليأس وجود «إرادة سياسية قوية وواضحة، ووجود اهتمام واضح ونية صادقة»، وذلك «بدعم مجالات التنمية العمرانية والإسكانية، ودعوات معلنة لحل كل المشكلات العمرانية». فلا يدرى إن كانت المدينة الشمالية ستحظى بإرادة كتلك تبدد تشاؤمها القديم.
«بدنا» نحلم ولكن...
مازال مبكرا جدا على البحرينيين الحلم بمدينة صديقة للأطفال نظير تلك التي تعمل عليها الآن الشقيقة الأردن، وتضمن حق كل مواطن يافع في المساهمة في القرارات التي تتعلق بمدينته، والتعبير عن رأيه حيال المدينة التي يريدها ووجود مساحات خضراء والعيش في بيئة غيرملوثة، والمعاملة المتساوية والاستفادة من كل خدمات المدينة بغض النظر عن أصله ودينه ودخله وجنسه أو إعاقته. فالأشقاء في الأردن قطعوا شوطا كبيرا في هذا المشروع الكبير الذي جاء ترجمة لتوصيات مؤتمر «المدينة والطفل» في عمّان العام 2002، بينما البحرينيون مازالوا بانتظار حسم أمر وحداتهم الإسكانية المعلقة منذ أمد بعيد في مدينة بدت غارقة في الوهم، ولا مسئول رفيع مستعد للخروج إلى العلن وتكذيب ما يشاع عن تحويلها إلى رقعة استثمارية ليس للمواطنين «المقصوص» عليهم فيها ناقة ولا جمل.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"العدد 2083 - الإثنين 19 مايو 2008م الموافق 13 جمادى الأولى 1429هـ