قبل أسابيع، قام مجلس إدارة الأوقاف الجعفرية بزيارة لجامع سترة ومسجدي صعصعة والشيخ إبراهيم، بهدف التخطيط لإعادة إعمارها.
ولأن مسجد الشيخ إبراهيم يقع في جزيرة صغيرة قبالة قرية عسكر الساحلية، فإن الانتقال إليها تطلب الاتصال بأحد البحارة، الذي نقل الوفد في قاربه الصغير على دفعتين صغيرتين. وبسبب هياج البحر، فإن الرحلة التي تستغرق عادة خمس دقائق، طالت لأكثر من خمس وعشرين دقيقة.
الجزيرة سبق أن زرتها لأول مرة في الصيف الماضي، ونشرت عنها تحقيقا مصوّرا بهدف الاهتمام بهذا المسجد التاريخي القديم، فشعوب الأرض تهتم بأصغر تراثها، بينما نفرّط نحن في تاريخ بلادنا. ولأن شيئا لم يتغيّر في الجزيرة فلم أكتب عن الزيارة الثانية، وتم الاكتفاء بنشر الخبر الرسمي الذي وردنا من الأوقاف.
الجزيرة قطعةٌ صخريةٌ صغيرةٌ وجميلةٌ، تسبح في المياه الجنوبية للبحرين، وتصدح فيها الطيور في موسم الهجرة. واعتاد البحارة والصيادون على الاستراحة فيها والصلاة في مسجدها القديم. وحتى نهاية السبعينيات كانت مقصدا للكثيرين من أبناء المناطق الأخرى، يقضون فيها أوقاتا ممتعة، بين الصلاة والعبادة والصيد والترفيه عن النفس، بعضهم يأتيها برا بالباصات، وبعضهم بحرا بالقوارب، في رحلات جماعية تعرف بـ «لِشْرَاك»، (أي المشاركة)، وهي تجربةٌ عايشها كثيرون من أبناء جيلي.
الزيارة الأخيرة، لم يخطر ببالي أنها ستصبح بعد أسابيع معدودة مادة للتجاذب الطائفي، حين برز أحد النواب المعروف بتشدّده ليستغلها في تأجيج الوضع كالعادة، فلم نعد أهل بلدٍ يفخر بتسامحه مع الأديان الأخرى، بل أصبحنا عنده أهالي مناطق منغلقة ومحافظات متفرقة، وقبليات وعصبيات.
الجزيرة تحمل اسم الشيخ إبراهيم المدفون فيها، والشائع بين الناس أنه ابن القائد الإسلامي التابعي الكبير مالك الاشتر، إلا أن قراءة التاريخ توصلك إلى نتيجة أخرى، فإبراهيم قُتل في معركةٍ بالعراق مع مصعب بن الزبير ضد عبدالملك بن مروان، في واحدةٍ من الحروب الأهلية البشعة بين المسلمين، حيث قُطع رأسه وأُحرق جسده، ودُفنت بقاياه هناك في منطقةٍ قرب سامراء تسمى مسكن. وليعذرني القارئ على نقل ذلك على رغم بشاعته، طلبا للتوثيق، ناقلا عن كتاب «المراقد الإسلامية في العالم».
هذا الرأي يؤكده المؤرخ البحريني سالم النويدري، الذي يجزم بأن الشيخ إبراهيم ليس ابن مالك الاشتر يقينا، ويحتمِل أن يكون من العلماء الذين ضاع تاريخهم بين الناس، وبقيت لهم مقاماتٌ معمورة ومساجدُ مشهورة. وعلى كل حال، يبقى مثل هذا المسجد التاريخي له أحكام المساجد، ويجب الاهتمام به ليس لمجرد قدمه وتاريخيته فحسب، بل لأنه من بيوت الله أولا وأخيرا، ويُنتظر من الدولة بمؤسساتها الدينية أن تهتم بإعادة إعماره، وعدم تركه نهبا للإهمال، حيث تعلو جدرانه شعارات مشجّعي الفرق الكروية، والعبارات غير اللائقة بالمساجد.
الأولى بنا كشعبٍ متحضر، أن نترك العصبيات الفئوية جانبا، وأن نعود إلى طبيعتنا وأصولنا، ليأخذ المسجد حقّه من الإعمار، فهناك وعدٌ من أعلى الهرم في الدولة ببنائه، وهناك مشروعٌ لدى الأوقاف اطلعت قبل أشهر على خرائطه بالتفصيل... المهم أن تتم إعادة إعمار هذا المسجد، فلم يعد من اللائق أن يبقى شاهدا حيا على ثلاثة عقودٍ من الإهمال.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2083 - الإثنين 19 مايو 2008م الموافق 13 جمادى الأولى 1429هـ