مشهد الصحيفة من الداخل تغيرت معالمه بشكل واضح وصالات التحرير في الستينيات لم تعد موجودة الآن، فالصحافيون المخضرمون الذين عاصروا مرحلة الستينات وتأسيس صحف معروفة في بيروت والكويت على سبيل المثال يشعرون «بالغربة» الآن بعدما استبدلت ثورة الاتصالات أدوات العمل التقليدية بجهاز كمبيوتر يضعه الصحافي أو الكاتب أو المخرج أمامه بصورة لم تكن معهودة من قبل.
مشهد الصحيفة، نوعية الصحافيين والعاملين في هذه المؤسسات صاروا شيئا مختلفا عما كان في الخمسينات والستينات، من صف الأحرف، إلى طريقة جمع الأخبار إلى كل المراحل الفنية مسحت من الذاكرة ولم يعد لها وجود إلا في المتاحف أو في عقول البعض ممن كتب له أن يعاصر المرحلة التقليدية ويبقى على قيد الحياة يشاهد الانقلاب الكامل في العملية التحريرية والطباعية.
ولماذا هذا التطويل والاستطراد في التقديم؟ نشعر أحيانا كثيرة نحن العاملين في مجال الأبحاث والمعلومات أن «الإنترنت» سرق الصحافيين والمحررين في مراكز المعلومات بعد أن أصبح بمقدوره الحصول على جزء كبير مما يبحث عنه بواسطة «الشبكة العنكبوتية» دون المرور أو الجلوس على المكاتب والتفتيش عن معلومة بالملفات القديمة أو المجلدت أو حتى الكتب.
تغيرت طبيعة البحث العلمي وتحولت من البحث عن مصادر المعلومات إلى البحث عن المعلومات ذاتها وهناك إجماع عند المختصين أن الكم الهائل من المعلومات والمعرفة يكمن اليوم في مواقع الإنترنت.
17 بحثا
أتيحت لي فرصة قراءة سبعة عشر بحثا تدور حول تقنية المعلومات والمراكز المعلوماتية ومهن المكتبات والاتجاهات الحديثة في برامج تعليم المعلومات التي القيت في مؤتمر القوى العاملة في المكتبات ومراكز المعلومات والأرشيفات وعقد في إمارة أبوظبي قبل شهرين تقريبا وهي أبحاث وأوراق عمل ذات قيمة علمية تغطي كافة جوانب الموضوع المطروح.
ومؤتمر من هذا النوع يحضره مئات من الخبراء والمعنيين ويستمر لأيام تقدم فيه أوراق بحثية غاية في الأهمية يخرج في الصحف بخبر لا يتعدى خمسة اسطر وفيه توصيات عامة يمكن كتابتها من قبل أي مبتدئ من دون أن يحضر أو يشارك وهذا ما يستدعي الحديث عن الحاجة إلى تسويق الأعمال الجيدة وخروجها إلى سوق العمل وإتاحتها لأكبر عدد ممكن للقراء وهناك من الوسائط التسويقية ما يكفي لإيصالها للجمهور وبأدوات متنوعة وميسورة.
سرعة القطار الياباني
المشهد تغير والموضوع لم يعد يناقش هكذا، تغير أم لم يتغير بل السؤال هو: إذا لم نقم وزنا لتكل التغيرات فسنبقى على الهامش وخارج دائرة المعرفة التي تسير بسرعة القطار الياباني، فإما الصعود في هذا القطار والمشاركة وإما البقاء في خانة المعدومين والمستهلكين الجالسين في مؤخرة الصفوف كالعادة.
الصحيفة تشبه كثيرا ما يحدث في معظم المؤسسات والشركات العالمية، وما يحدث فيها على صعيد غرف التحرير الإلكترونية يحدث في جوانب أخرى فالعملية متكاملة والدورة تطال الكل ومن الصعب أن تحيّد قسم أو إدارة عن تلك التغيرات وكما وصف أحد المشاركين بالمؤتمر حالة المعلومات بالقول أن درجة الاستخدام لمصادر المعلومات الإلكترونية عبر المواقع والمكتبات الرقمية الافتراضية في نمو مستمر وكأن الوعاء المستقبلي للمعلومات سيكون هو الوعاء الإلكتروني.
ما يستوقف الباحث أن أوراق العمل شخصت المرض وحركت المياه الراكدة لدى العاملين في مهنة المعلومات والمكتبات والأرشيفات وحددت الدور الأساسي لمهنة المعلومات والمكتبات والذي يكمن في إدارة المعرفة أكثر منه في هندستها، لأن التقنية المعلوماتية تدفع بالتغيير في معظم مستويات العمل بالمؤسسة. بحسب بحث الدكتورة حنان بيزان من أكاديمية الدراسات العليا بطرابلس الغرب بليبيا رأت أن أساليب الاقتناء والتزويد بطرق التعامل مع المصادر بالنفاذ السريع إليها قد استبدلت باستئجار قواعد المعلومات الإلكترونية باعتبار أن المصادر صار بالإمكان الوصول إليها لكنك لن يكون بمقدورك إمتلاكها.
إذن السائد اليوم العمل بقاعدة تقول: إن تصل إلى المعلومة لا أن تمتلكها وهنا بيت القصيد وهو ما يفترض التخلي عن مجموعة من الإجراءات، والأساليب المتبعة بالحصول على المعلومات «واحتكارها» في الوقت الذي تفتح فيه خزائن العالم على الجمهور... فمثلما هناك السماوات المفتوحة بعالم الطيران يوجد اليوم الأبواب المعلوماتية المفتوحة..
ولهذا يدعو أصحاب الشأن أنه من أجل أن تكون مرافق المعلومات عصرية لا بد من إعادة هيكلة القرارات الدراسية لأن معظم المؤسسات التعليمية في العالم العربي تميل للانشغال بالأدوات «Tools» أكثر من المستفيد «Users» من خلال التركيز وبشكل أساسي على مقررات الفهرسة والتصنيف، ومشكلتنا أن الدراسات لدينا متوفرة لكن لا يوجد آليات للتطبيق مثلما يحدث في الجامعات الغربية تقريبا.
جامعات وشعارات
ما نحتاج إليه بعملية التحول من إدارة المعلومات إلى إدارة المعرفة هو أن تتوجه برامج تعليم علوم المعلومات والمكتبات بالتركيز على تخريج كوادر لديها مهارة ومقدرة بإدارة المحتوى المعلوماتي وتوليد المعرفة... وأن تخرج المناهج من دور العموم إلى التخصيص فما زالت أساليب التدريس بجامعاتنا تعتمد على المحاضرة بشكل رئيسي... وإن كان هناك ندرة بمرافق المعلومات النموذجية كأماكن مناسبة للتدريب العملي الميداني باعتباره من المتطلبات الإجبارية.
نرفع شعار التنمية ولا نعمل على إيجاد بيئة صحية علمية تقوم على الكفاءات العالية.
ندعو إلى الارتقاء بالجامعات وتعديل النظام التعليمي السائد ونخاف من التغيير والتطوير ونخرج جيوش من الأميين يقذفون إلى المؤسسات الحكومية ولا يستفيد منها القطاع الخاص أو ترفع من مستوى أدائه.
نتمسك بالموروث وبالتخصصات المعمول بها منذ 50 سنة في الوقت الذي يتجه السوق الإعلامي نحو التداخل الموضوعي بين التخصصات وهو ما يخدم المهارات الوظيفية المطلوبة فخريجي الجامعات البريطانية والأوروبية باتوا أكثر تأهيلا من نظرائهم الأميركيين بما يتماشى مع المتطلبات سوق العمل في مجال إدارة الأعمال مثلا.
دراسة أجريت في سلطنة عمان أعدها كل من عبدالمجيد بوعزة ونعيمة حسن جبر من جامعة السلطان قابوس حول ملاءمة الإعداد المهني الذي يوفره قسما المكتبات والمعلومات والإعلام مع احتياجات سوق العمل وهو واقع يماثل كثيرا الجامعات الخليجية خلص إلى النتائج التالية:
- لا ربط للتخصصات بسوق العمل.
- غياب جرعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
- جمود أساليب التدريس والمناهج.
- لا تحصيل للمهارات بتقنيات المعلومات.
- لا إتقان في اللغة الإنكليزية.
- لا علم في الإدارة العصرية.
- لا قدرة على استخدام قواعد البيانات.
- فقدان التدريب العملي وهزالته.
خلاصة الأبحاث تقول أنه إذا بقي النظام التعليمي الجامعي وبالخصوص في كليات الإعلام السائدة في المنطقة العربية على ما هو عليه فستزداد الصحاري العربية قحطا إلى أن يحدث التغيير وهو أمر يبقى في حيز التمنيات.
العدد 2083 - الإثنين 19 مايو 2008م الموافق 13 جمادى الأولى 1429هـ