يبدو أنّ موقع موسوعة «ويكيبيديا» العالمية والذي يعد أحد أشهر المواقع الموسوعية في شبكة الويب، والمتاحة خدماتها للجميع بالمجان، يبدو أنه لم يسلم هو الآخر من عبث وإجرام البعض ممن أراد استغلال قابلية أنْ ينشر كل مطلع وزائر للموقع تقارير بحثية عن أية مادة من المواد المعرفية في مختلف المجالات عبر كتابتها وإرسالها إلى البريد الإلكتروني لإدارة الموقع، فقد نشرت صحيفة «الهيرالد تريبيون» بتاريخ 6 مايو/ أيار 2008 مقالا كتبه أليكس بيم عن ثبوت تورط جلعاد آني الذي يعمل محللا أول للبحث بــ «هيئة ضبط الصدقية لتقارير الشرق الأوسط في الولايات المتحدة الأميركية» وذلك في إطلاق حملة إلكترونية منظمة عبر نداء بالبريد الإلكتروني وجهه لعشرة من المتطوعين للتحكم في ما ينشر في الموقع من مواد متعلقة بـ «إسرائيل»، ومحاولة صد الكتابات المنتقدة للكيان الصهيوني ومنع محرريها من النشر في الموقع.
وقد لبّى نداء جلعاد نحو 50 من المتعاطفين والمناصرين للكيان الصهيوني وبدأت الحملة المنظمة التي هدفت إلى اختراق الحصون الإدارية في الموقع لصالح التحكم الأحادي في نشْر المواد المتعلقة بـ «إسرائيل» والتصدّي لكل ما ينتقد الكيان الصهيوني، حيث أشار أحد أعضاء الحملة إلى أنه تم إعداد جيش إلكتروني منظم ومدرب جيدا لذلك!
ولكن في النهاية خابت مساعي جلعاد حينما اكتشف أمره وتمكن الإداريون بموقع ويكيبيديا من محاصرة ومنع خمسة من أعضاء شبكته التخريبية، كما وجه موقع «الانتفاضة الإلكترونية» اتهامات لــ «هيئة ضبط المصداقية لتقارير الشرق الأوسط في الولايات المتحدة الأميركية» بالسعي إلى تنظيم حملة سرية على نطاق بعيد المدى لـ «تطهير» موقع ويكيبيديا وإعادة كتابة التاريخ الفلسطيني وتغليب خطاب البروباغندا على الحقائق التاريخية المهمشة»!
وبحسب المقال فقد أشار الإداريون بموقع «ويكيبيديا» إلى أنّ «سياسة الموقع تقتضي التحرير المفتوح والشفاف في جو من الاحترام المتبادل بين المحررين، وهو ما يتنافى جوهريا مع تأسيس مجموعة خاصة للتنسيق والتحكم السري في ما ينشر وذلك من قبل أصحاب العقليات الأيديولوجية»!
وفي حين أبدى الإداريون في الموقع عزمهم التحقيق في موضوع هذه الشبكة الصهيونية السرية، فإن قائد الشبكة جلعاد لم يبد أسفه لتورطه في عملية التضليل السرية تلك معتبرا «ويكيبيديا» بمثابة بيت للمجانين لابدّ من ضبطه وتهذيبه بجهد مؤمن يضمن الدقة في كل ما ينشر حول شئون الشرق الأوسط!
وبما أننا نعايش حاليا بواقع الحسرة للذكرى الستين للنكبة الكبرى ولإعلان قيام الكيان الصهيوني الغاصب على وقع قيام إحدى أبرز زعماء الواقع العربي المأساوي بتهنئة الكيان الصهيوني بذكرى تأسيسه الستين عاما رغم كون بلاد هذا الزعيم قد خاضت خمس حروب ضد هذا الكيان الذي كبد بلاده ما كبدها من خسائر بشرية ومادية ضخمة، فإنّ ما وددنا التنبيه إليه هو أننا وفي الوقت ذاته في إطار ومسلمات ثورة وفورة معلوماتية رهيبة هي الأولى من نوعها تاريخيا، إذ نحن بالأحرى قد دخلنا لما يطلق عليه بعض المفكرين الغربيين بعصر «الغوغلة» وباتت العولمة في ما يشبه حتى الأمد المنظور قدرا لا فكاك من مسافاته وانفتاحاته المترهلة، وبالتالي فإنّ العولمة والانكشاف المعلوماتي قد تأتي بما لا تشتهي السفن الصهيونية وحليفتها من السفن الغربية الراسية في عباب شبكة الإنترنت، فيا سبحان الخالق حينما تتحول شبكة الإنترنت التي كانت في بواكيرها منتجا تقنيا حصريا لوزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» إلى مرتعا وسلاحا فعالا وتجنيديا بيد الجماعات المناوئة للسياسات الأميركية وللكيان الصهيوني ومن بينها «القاعدة»!
إلا أنّ ما نود أنْ تتم مراعاته في هذه المرحلة التاريخية على وجه التحديد هو التمسك والعض بالنواجذ السياسية والثقافية على الذخيرة الأخلاقية والمبدئية لحركة الممانعة والمقاومة، وهو ما عزز ودعم موقف موقع «الانتفاضة الإلكترونية» أمام اتهامات شبكة جلعاد السرية» و»هيئة ضبط الصدقية لتقارير الشرق الأوسط في الولايات المتحدة الأميركية» وذلك عقب الإيقاع بالشبكة وفضحها بحسب ما نشر في الصحيفة!
وبالنسبة إلى محور مصيري آخر لا يقل أهمية عن المحور القيمي والأخلاقي وهو ما يتعلّق بإعادة نقد وغربلة المفردات والمحددات الرئيسية لخطاب الممانعة والمقاومة والحيلولة من دون أن يتم تديينه أو أدلجته وهي حينها الطامة الخطابية القاتلة، كما هو الحال مع خطاب «القاعدة» في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والتي تتشكل بحسب هذا الخطاب الانتحاري والسطحي إلى بوتقة صراع حضاري ووجودي بين المسلمين واليهود، وهو للأسف ما يسهم في حد ذاته في إضافة شرعية لاهوتية مجانية على صدر جسد إمبريالي صهيوني غربي بغيض كالذي يمثله الكيان الصهيوني في المنطقة، وهو في حد ذاته أفضل خدمة لهذا الكيان العنصري الملحد والمفلس شرعيا وقيميا والمدبج بالأساطير التوراتية والشروحات التلمودية من دون أنْ تشكل هذه الأساطير والشروحات في حد ذاتها تمفصلا من تمفصلاته العملية والواقعية!
وللمرة المليون على البعض أن يترك خطاب «القاعدة» المسفه وينتصر للخطاب الواعي والمطلع للمفكر عبدالوهاب المسيري ولجماعة «ناطوري كارتا» المناهضة للصهيونية في هذه المرحلة المعلوماتية التاريخية تحديدا، فلا حاجة للكيان الصهيوني إلى شرعية طارئة أخرى نمنحه إياها!
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 2082 - الأحد 18 مايو 2008م الموافق 12 جمادى الأولى 1429هـ