يقع في منتصف الطريق بين أفغانستان وأميركا، على تقاطع طرق بين الحضارتين الشرقية والغربية، حليف غير ظاهر بشكل بارز في الحرب ضد التطرّف وعدم التسامح الديني. هذا الحليف هو: المغرب.
ورغم العناوين التي تصبغ هذه المنطقة بصبغة الجبهة الجديدة ضد الإرهاب، فإنّ المغاربة يعارضون أنْ تصبح بلدهم قاعدة للتطرّف المركّز ضد الغرب، وهم مصممون على منْع القاعدة من الحصول على موطئ قدم في هذه الزاوية من المغرب العربي.
وعلى رغم أنّ الدولة قد شهدت ازديادا في التطرّف العنفي خلال السنوات القليلة الماضية، منذ تفجيرات القطارات التي ارتكبها مغاربة العام 2004 في مدريد إلى التفجيرات الانتحارية المتكررة في الدار البيضاء، يبقى الجمهور المغربي حذرا واعيا. في فبراير/شباط نجحت سلطات الحكومة في تفكيك شبكة دولية خططت لاغتيال وزراء في الحكومة وضباط في الجيش وأعضاء في الجالية اليهودية المغربية.
وإضافة إلى نبذ العنف على أسس دينية محضة، يعتنق المغاربة بفخر ثقافتهم الفريدة في التنوع والتي بنيت على تقاليد عريقة من التعايش العربي البربري المسلم واليهودي.
كذلك، ليس للمغرب تحفظات أو مشكلات فيما يتعلّق بارتباطاتها النشطة التاريخية مع الغرب، حيث كانت أوّل الدول التي اعترفت باستقلال الولايات المتحدة عام 1777. كما أنّ الشعور متبادل، فقد أثبت الأميركيون كذلك التزاما بتشجيع التسامح الديني والتنمية الاقتصادية والتضامن بين الشعبين. واليوم، يستمر المواطنون على الجانبين بالقيام بدور نشط في إدامة الحوار البناء والتعاوني عبر المحيط الأطلسي.
يشكّل المعهد الأميركي المغربي واحدا من هذه المبادرات، حيث تم تأسيسهُ في العام 2003 لتشجيع العلاقات الثقافية والأكاديمية والاقتصادية بين الولايات المتحدة والمغرب. ويقوم المعهد بتوسيع رقعة الجهود الدبلوماسية التقليدية المستقاة من الثقافات الإفريقية والأمازيغية والعربية والأوروبية، وتبادل القيم والتحديات المشتركة مع أميركا متعددة الثقافات.
وتعتبر عملية استئصال العنف العقائدي مجرد واحد من هذه الاهتمامات، وتشجيع المجتمعات التعددية بناء على التسامح الديني هو اهتمام آخر. وهذا تناقض واضح مع مؤتمر إنكار المحرقة الذي عقد في إيران السنة الماضية، والذي فاقم التوترات بين اليهود والمسلمين في كافة أنحاء العالم مشكلا رسالة أخرى تؤكد على التضامن الأميركي المغربي ضد العقائد التي ترتكز على الحقد والتزام متجدد نحو احترام الكرامة الإنسانية، كما ظهر الشهر الماضي.
قام المعهد الأميركي المغربي الشهر الماضي بتيسير شراكة بين مكتبة المغرب الوطنية ومتحف ذكرى المحرقة في الولايات المتحدة لتبادل مواد الأرشيف المتعلقة بردة فعل المغرب حيال المحرقة. و يشكّل التبادل أوّل معاهدة رسمية بين المتحف ومؤسسة في دولة عربية ذات غالبية مسلمة.
بالإضافة إلى توفير سبل الوصول بشكل عام إلى الوثائق التاريخية في الجامعات والمكتبات في أرجاء المغرب كافة فإنّ التبادل يوفر كذلك مضمونا لعروض يقوم بها المتحف مستقبلا، ووعودا بإلقاء الضوء على الدور الإيجابي الذي لعبه المغرب في أثناء الحرب العالمية الثانية.
ومن الأمور التي قد لا يعرفها كثيرون أنّ الملك محمد الخامس قام بحماية الجالية اليهودية في المغرب من نداءات قادها النازيون تدعو إلى التمييز والترحيل.
وقد حضر حفل التوقيع الذي عقد في المكتبة الوطنية في 11 مارس/ أذار مديرة متحف ذكرى المحرقة في الولايات المتحدة سارة بلومفيلد، ومدير المكتبة الوطنية المغربية، إدريس خروز والسفير الأميركي لدى المغرب توماس رايلي وكبير مستشاري الملك محمد الخامس أندريه أزولاي.
وقد اعترف أزولاي، وهو مسئول مغربي رفيع المستوى قضى عقودا يشجّع التعايش بين الأديان، أنه رغم كونه يهوديا من حيث العقيدة، إلا أنه ملتزم عن كثب وإيمان بالتقاليد الإسلامية لبلاده. كما أشار إلى أنّ الأمر نفسه ينطبق عكسيا؛ أي أنّ المجتمع المسلم المغربي اعتنق وسوف يستمر باعتناق إرثه اليهودي.
في وسط إطار مثبط للهمّة يرى العالم من خلاله العلاقات بين الأديان، توفر تبادلات كهذه نظرة على الثقافة المغربية في التيار الرئيسي، والتي تفتخر بتنوعها، وتجسر، من خلال ذلك، ما يسمى بالصدع بين الشرق والغرب.
* زميلة في برنامج ديفيد إل بورين بالمغرب وطالبة دراسات عليا بمعهد تحليل النزاعات وحلها بجامعة جورج /يعمل بمنظمة Search for Common Ground، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند».ميسون
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2082 - الأحد 18 مايو 2008م الموافق 12 جمادى الأولى 1429هـ