العدد 2081 - السبت 17 مايو 2008م الموافق 11 جمادى الأولى 1429هـ

الخطاب الفتنوي... حبل نجاة الإسرائيليين

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

تسارعت الأحداث أوّلا لتنفجر حربا بين اللبنانيين على خلفية القرارينِ اللذينِ اتخذتهما قوى السلطة في لبنان ضد ما بات يُعرف بسلاح الإشارة للمقاومة.

ثم تسارعت الأحداث؛ لتضع حدا لهذه الحرب التي أريد منها أنْ تتفجر حربا بين الجيش والمقاومة أوّلا ومن ثم حربا بين الطوائف اللبنانية ثانيا لولا الجهد العربي المُتسارع.

لقد كتب الكثير عن مخطط الفتن الطائفية المتنقلة التي أعدتها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية انطلاقا من العراق مرورا بلبنان باتجاه الوطن العربي الكبير والوطن الإسلامي الأكبر.

الآنَ ونحن نهنئ اللبنانيين على الإنجاز الكبير الذي توصلّوا إليه من خلال إعمال العقل بعد تجاوز فتنة الإيقاع بين الطوائف وبين الجيش والمقاومة لا بأس من التنبيه إلى بعض ما دس خلال الأحداث من خطاب فتنوي كان يُراد فيه توسيع نطاق الفتنة لتشمل «العرب والعجم» كلّهم وليس لبنان وحدَه.

ولكن اسمحوا لي أوّلا أنْ استحضر معكم بتلخيص مكثف ما كان يُقال في تسعينيات القرن الماضي عن الإسلاميين من حملة البندقية المقاتلة ضد العدو الصهيوني وبعدها نعود إلى التنبيه الآنف الذكر وطريق الخروج منه.

افهم أنّ عددا من الليبراليين العرب والمسلمين الجدد الذين انبهروا بصعود ما سمّي يومها بـ»النظام العالمي الجديد» في تسعينيات القرن الماضي كانوا يستنكرون على الإسلاميين استمرارهم في رفع راية الكفاح المسلّح ضد الصهيونية ومطالبة الأمّة بحشد كلّ طاقتها من أجل تحرير الأرض الفلسطينية المحتلّة كاملة من النهر إلى البحر, معتبرينَ أن ذلك «بات ضربا من العبث في ظل الصعود الأميركي الصاعق وبروز مقولات نهاية التاريخ والأيديولوجيا وتاليا الفكر الديني» كما كان يُقال لنا آنذاك.

كما أفهم أيضا أن استمرار الإسلاميين الأصوليين من «عرب وعجم» في نهجهم المشار اليه كان ولا يزال يشوش على تلك النخبة الليبرالية التي وضعت نفسها في تصرف عدد من رجال الأعمال والمال الذين لم يعودوا يرون أفقا لتجارتهم وكسبهم وزيادة رصيد ملياراتهم إلا بالتماهي مع العولمة الأميركية والرأس مالية المتوحّشة.

لكنني لا أفهم ولا أتفهم أن تصل الأمور بالبعض من هؤلاء عندما تحشرهم الأحداث في الزاوية إلى «الكفر» بكلّ شيء واعتبار كل من هو مختلف معهم ولا سيما إذا كان من المجاهدين الإسلاميين، ليس سوى أداة في خدمة «العدو» الذي استبدل ألبتة؛ ليصبح الجار الإيراني المسلم بدلا عن العدو الصهيوني.

اقرأوا معي بعض العناوين في هذا السياق وهي كما يلي:

لقد سقطت بيروت بيد الإيرانيين!

ما حصل مؤخّرا لبيروت ليس سوى احتلال ثانٍ على يد فرقة من الحرس الثوري الإيراني!

لقد باتت سورية أداة طيّعة تنفذ المخطط الإيراني الجهنمي!

لقد أصبحت حماس دمية في يد الإيرانيين!

إنّ إيران باتت خطرا داهما على الأمن القومي المصري بعد أنْ باتت على حدودنا المباشرة!

إن ليل العرب الخائفين من إيران سيطول مع التمدد الإيراني!

... وبالتالي ليس أمام هؤلاء، إلا المواجهة مع إيران!

حزب الله.... ما أقبحها من صورة! إنها الصورة التي تعكس ملامح الدولة الإيرانية التي يُراد زراعتها في العالم العربي!

هذا غيْض من فيْض من مقاطع لمقالات عالجت الأحداث الأخيرة المتسارعة في المنطقة، ولا سيما فيما يتعلق بالمخطط الجهنمي الذي كان قد اعد للبنان كما أسلفنا من أجل إلحاقه بالفتن الطائفية المتنقلة انطلاقا من النموذج العراقي البشع والمقيت.

أعود وأقول إنني إذ أتفهم أن البعض من الأفراد أو القوى أو الأحزاب أو الأنظمة قد تعب أو تراجع أو غيّر رأيه أو حتى أن قرر أنْ يتنازل عن الانتماء لأمته والتحلل من مسئولياته تجاهها، لكن ما لا أفهمه ولا يمكن أنْ يتقبّله عاقلٌ هو أنْ يتمادى هذا البعض؛ ليضع نفسه وكيلا عن الأمّة؛ ليقرر نيابة عنها إسدال الستار على الكفاح والجهاد وأن يشتم أو يتعدّى على كلّ من تسوّل له نفسه حمل البندقية أو التضامن مع حملة البندقية ويحمل الراية التي أسقطها هو أو آخرون.

أعرف وأتفهم أنّ قضية فلسطين وأيضا قضية لبنان وأيضا قضية العراق هي قضايا عربية بامتياز.

لكنها هي قضايا إسلامية بامتياز أيضا وبالتالي فإنّ من حق المقاومة في هذه البلدان أن تستنجد بكلّ المسلمين للحصول على الدعم والمساندة بجميع أشكالها، وأن من حق المسلمين بل ومن أوجب الواجبات عليهم أن يلبّوا النداء وإلاّ فهم ليسوا بمسلمين بحسب الحديث الشريف.

وبالتالي فإنّ مَنْ يريد الإيقاع بين حملة البندقية العربية المقاومة وبين محيطها المساند والداعم لها إنما يضر بأمّة العرب وبقضايا العرب قبل أن يضر الآخرين المختلف معهم.

إنّ ذنب إيران الوحيد هو أنها وبعد أن أصبحت دولة حرة مستقلة تنبع قراراتها من داخلها - أحببناها أم كرهناها - قررت فيما قررته من قرارات رفع الراية التي أسقطها آخرون في إطار ظروف فيها «شبهة» التخلي عن الإخوة، هذا في الحد الأدنى إن لم نذهب بعيدا كما يفعل الكثيرون.

ولا أريد أن أدخل في الأسماء هنا لكنني استحضر مقطعا آخرا لكبير هؤلاء الذي علّمهم السحر عندما كتب بالحرف الواحد يوما: «بقدر ما كنتُ سعيدا بضرب مفاعل تموز العراقي سأكون أكثر سرورا بقصف وتدمير مفاعل بوشهر الإيراني... «كما جاء في افتتاحية صحيفة ناطقة بالعربية... لأقول:

انتبهوا وأنتم تختلفون مع إيران ألا تتحوّلوا إلى صدى يُردد ما تقوله «إسرائيل» أو أداة لإشعال فتنة يُراد لها أن تمد حبل النجاة للكيان الصهيوني الذي باتت أيامه معدودة بفضل هؤلاء المجاهين العرب الذين تتهكمون عليهم وفضل الجارة إيران!

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 2081 - السبت 17 مايو 2008م الموافق 11 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً