العدد 2081 - السبت 17 مايو 2008م الموافق 11 جمادى الأولى 1429هـ

مدمنون: نحتاج تفهّم المجتمع فنحن ضحايا المــروّجين... وتجاربنا بدأت بالضغوط وحبّ الفضول

عــائدون في مـركــــز المؤيد للعــلاج من الإدمان... يفتحون قلوبهم ويسجّلون شــــهاداتهم في ملف «الوسط»

لا تشعر وأنت تجلس معهم بأيّ فرق بينكم وبينهم، طيّبون، مسالمون... تتعجّب ممّا تسمعه عنهم، فتطلب منهم إعادة الكلام كلّ لحظة، لا لأنك لم تسمع، بل لأنك تستغرب ما قاموا به وما حدث لهم... فتحوا قلوبهم لـ «الوسط» ليرووا معاناتهم... في مركز محمد المؤيد لمكافحة الكحول والمخدرات جلستُ معهم؛ لألمس عن قرب معاناتهم... أصرّوا أثناء الحديث معي على أنّهم ضحايا مروّجي المخدرات الذين ينبغي أن تشدّد العقوبة عليهم، معترفين بأنّ الضغوط أو الفضول كانا الدافع الذي جرفهم إلى هذه الهاوية...

واليوم وهم في هذا المركز يشعرون ببصيص الأمل يشرق في نفوسهم ونفوس أهاليهم، ويعبّرون عن الامتنان للدور الكبير الذي يقوم به المركز في شفاء مدمني الكحول أو المخدرات، ويتأوّهون من تداعيات المخدّرات، الآفة اللعينة التي يذهب ضحيتها الكثير من الذين انجرفت نفوسهم إلى الإدمان، وأدت إلى موت شباب في عمر الزهور، وسبب الوفاة جرعة زائدة من «الهيروين» أخطر نوع من المخدرات في العصر الحاضر.

وقفت متوجّسة إلى جانب أحدهم، سلّمتُ ثم جلستُ... طلبتُ منه الحديث فبدأ بالقول...

- الفضول وحبّ التجربة دفعاني إلى تجربة المخدّرات... لم يرشدني أحد إلى خراب هذا الطريق، ضغوط الحياة اليومية مع الأهل أثرت فيّ، لديّ 12 أخا وأختا، كنت محروما من الناحية العاطفية. بدأت بالكحول ثم اتجهت إلى تناول المخدرات. في البداية بقيت في المركز لمدة شهر... وجدت العلاج الجيد والمعاملة الطيبة، ولكني لم أجد التوعية الكافية، ولم يكن ثمة مكان في ذلك الوقت بالمركز لإعادة تأهيلنا لمواجهة حياتنا خارج المركز، لذلك انحرفت مرّة أخرى وأدمنت على إبر الهيروين.

نشوة في البداية فقط... والإدمان يدفع إلى شرك الترويج

* بماذا تشعر عندما تتناول المخدّر؟

- في البداية أشعر بنشوة، ولكن مع الوقت تخمد أحاسيسي... كنت أدفع في كل جرعة عشرة دنانير. وأكثر المدمنين يبدأون بتناول المخدرات ثم يضطرون إلى بيعها؛ لينالوا جرعات المخدر بالمال الذي يحصلون عليه.

* هل أثر الإدمان على حياتك الأسرية؟

- تسبب لي الإدمان بمشاكل زوجية كثيرة، إذ طلقت زوجتي، وعدت مرة أخرى لأتعالج في «مركز محمد المؤيد». في هذه المرّة استغرق علاجي سبعة شهور، ولم أتعاط بعدها منذ خمسة شهور.

* هل تظن أنك قد تعود إلى الإدمان؟

- (بحماس) مطلقا، لقد ساعدني قسم التأهيل الذي خصص له الدور الثاني، والأطباء والممرضون يحترموننا ويساندوننا كثيرا. كذلك المرشد المتعافي يقوم بدور كبير في تخليصنا من أسلوب تفكيرنا السلبي الذي نما لدينا بسبب الإدمان. أتمنى أن يزداد عدد هذا النوع من الموظفين لعلاج المدمنين، فالتأهيل هو الذي يحمي المدمن من الانتكاس، وكذلك لمحاضرات التوعية التي نحصل عليها من جمعية المدمن المجهول أثناء زيارتهم للمركز أثر كبير.

* كم عدد المدمنين المتعافين؟

- نحن عشرة أشخاص فقط.

* وهل تعمل الآن؟

- عملت في وظيفة لم أرتح لها، ولكني أركز الآن على برامج التأهيل لأتعافى تماما.

* وهل يساعدك الدين على مقاومة الإدمان مرة أخرى ؟

- طبعا، بدأت أصلي وأطلب من الله أن يساعدني، وأن يدعم معنوياتي لكي لا أنحرف إلى الإدمان مرة أخرى.

* هل من كلمة أخيرة...

- نحن ممتنون للمرحوم رجل الأعمال يوسف خليل المؤيد لأنه فكر في وضع ماله الخيري في هذا المركز، لقد كان له الفضل مع جهود العاملين فيه من وزارة الصحة في شفاء الكثير من المدمنين والبدء بحياة منتجة ومثمرة.

«ط. ح»: من جامعات بريطانيا إلى غرف مكافحة الإدمان

«ط. ح» خريج أحد الجامعات البريطانية وحاصل على الماجستير منها يحكي قصته مع الإدمان قائلا:

- لم أكن واعيا لمضارّ الحشيش وبقية المخدرات عندما كنت أدرس في بريطانيا، ولذلك تعلمت تعاطيها من أصدقاء السوء هناك، ثم تعودت عليها. دخلت المركز وخرجت ثماني مرات لأنني أصل إلى مرحلة سحب السموم ثم أخرج إلى البيئة نفسها دون حماية نفسية أي دون تأهيل، ولذلك كنت أنتكس نحو المخدرات مرة أخرى. لم يكن في المركز قسم للمتعافين لتأهيلهم للعودة إلى المجتمع ومقاومة أصدقاء السوء.

* لقد أشقيت أسرتك وأشقيت نفسك...

- هذا ما حدث بالضبط. لقد تعبت في حياتي كثيرا بسبب المخدرات.

* أين كنت تعمل قبل أن تدمن؟

- كنت مدير علاقات عامة في بنك (أوفشور)، فأنا حاصل على ماجستير في التأمين، ولكني فصلت عدّة مرات من عملي بسبب الإدمان، حتى إن أهلي أصيبوا باليأس مني، ولكني واثق من الشفاء هذه المرّة حيث يساندني في قسم التأهيل الأطباء والممرضون والمرشد المتعافي... هذا بالذات يساعدنا كثيرا لأنه كان مدمنا وشفى منذ عشرين عاما، وكرّس حياته ليعمل في هذا المجال ليساعد أمثالي كي يشفوا تماما. وهو يقوم ومن حوله من المعالجين بإلقاء محاضرات إرشادية، كذلك يحاضر فينا أعضاء جمعية المدمن المجهول، وبذلك يساهمون جميعا بدور كبير في شفائنا تماما. ونحن نشكر مؤسسة يوسف خليل المؤيد التي تقف بقوة إلى جانب المركز لتلبية احتياجاته لشفاء المدمنين، وإلى اليوم لا يوجد مركز غير هذا المركز بالبحرين لشفاء الإدمان على الكحول والمخدرات.

* كيف فكرت في العلاج؟

- ساعدني أعضاء من جمعية المدمن المجهول عندما انضممت إليهم، وسأظل معهم بعد خروجي. هذه الجمعية تعمل بصمت وقد ساعدت على شفاء الكثير من المدمنين على المخدرات.

«أ. م»: اعرفوا أولا من يدخل المخدّرات للسجن

«أ. م» شاب لا يتجاوز عمره 33 سنة، موهوب في النجارة ولديه أعمال رائعة معروضة. وقد أهدى مؤسسة يوسف خليل المؤيد بابا قام بصنعه بإتقان تقديرا لما تقوم به من أجلهم.

- كنت أتعاطى منذ أن كنت في المدرسة، وتعرفون أن المدمن بعد التعاطي يسقط في شقاء الإدمان فيضطر لأن يبيع للمروّجين لكي يحصل على المال ويظفر بالجرعة التالية وهكذا.

* ماذا يعمل والدك؟

- مقاول ولدي تسعة إخوة، تسببت في أذى أسرتي بسبب إدماني، ولم أكن أعلم أن هناك علاجا، وعندما علمت بمركز «محمد المؤيد لمعالجة الإدمان على الكحول والمخدرات» جئت للعلاج، ووجدت مجموعة تعمل بكل إخلاص من أجل تأهيلنا نفسيا واجتماعيا لنواجه إغراء مروجي المخدرات دون أن ننساق وراءهم. الجميع يعاملنا باحترام ومحبة، ونحن هنا كالأسرة الواحدة في المركز.

* هل بدأت إدمانك بالهيروين؟

- كلا، بدأت بالحبوب، فالبودرة عن طريق الشمّ.

الأمر السيئ أنني أسجن في قضية ترويج، ثم يوجد من يدخل المخدرات في السجن فيقضي هذا على مقاومتي بعد أن تعالجت في المركز لأدمن من جديد، ثم تكتشف الشرطة أنني أتعاطى ممّا هو موجود في السجن ليقبض على لأحكم بالسجن مرّة أخرى 3 أعوام... عندما جئت إلى هنا وجدت العلاج السليم، وأفضّل أن أخرج إلى أسرتي معافى على أن أعود إلى السجن مرة أخرى لأكمل الأحكام الواقعة على التي لا تنتهي إلا العام 2012، ولا أدري لماذا لا يحكمون على من يروّج في السجن لا المتعاطي فقط، ولذلك أعتقد أن على وزارة الداخلية أن تعرف من يدخل المخدرات إلى السجن لتقبض عليه.

* ماذا تريد أن تفعل بعد أن تشفى؟

- أكمل دراستي وأعمل، وقبل كل شيء أريد أن أصمد في السجن بعد أن شفيت لأكمل المدة المفروضة عليّ، وأتمنى أن لو تم الحكم عليّ مرة واحدة دون تعطيل قضايانا لأكمل مدة السجن وأخرج لأنني تغيّرت 180 درجة، بودي أن أبدأ حياتي من جديد لا أن أواصل في السجن.

«أ. ع»: نحارب رغبة داخلية للإدمان... ومن ورّطني توفي

تألمتُ لوضعه، وكرهتُ من يروّج المخدرات التي انتشرت كالوباء في المدارس الثانوية والإعدادية من دون أن نعرف أين مصدرها. «أ. ع» الفضول وحبّ التجربة أوقعاه في براثن المخدرات. كان لديه كراج ومدخول جيد، ولكن كل ذلك تبخر على هذه المواد السامة... جلست معه وروى لي مأساته.

- كنت ضابط جوازات في دولة خليجية، وبدأت تعاطي الحشيش هناك، ثم عدت إلى البحرين وعملت في مؤسسة للنقليات ووصلت إلى منصب مدير علاقات عامة. وبعد سنة أصبحت مدير علاقات شئون الموظفين، وكنت أتعاطى الحشيش على فترات، ومن يفعل ذلك حتما سيصل إلى تعاطي الهيروين.

* من قدمه لك؟

- مدمن آخر أغراني ومات أخيرا بسبب جرعة زائدة أخذها. لم أكن أتصور أنني سأدمن عليه، كنت جاهلا في معرفتي بآثار الهيروين، وكنت أتعاطاه معه أثناء السفر. وبعد ذلك أنشأت كراجا وبدأت أبيع سيارات مستخدمة، وازداد دخلي فاستأجرت شقة لزملائي في التعاطي، وازددت إدمانا... ثم قمت بالترويج ليقبض عليّ وأحاكم. وفي السجن جئت إلى «مركز محمد المؤيد لمكافحة الكحول والمخدرات» وحمدت الله أنني عرفت طريقي إليه. الآن أنا مدمن متعاف، وأعرف مخاطر الإدمان، ويقوم مرشد التعافي بتوعيتنا بأمر مهم وهو أن هناك رغبة متمركزة في نفس كل مدمن تدفعه إلى الإدمان، لذلك علينا مقاومتها لنبتعد عن هذه الهاوية. الأطباء والممرضون يعاملوننا معاملة حسنة، ونشعر معهم وكأننا أسرة واحدة كل واحد منا من المتعافين يخاف على الآخر ويساعده، ولدينا شخص متطوع كان مدمنا وتعافى وأصبح له دخل خاص وأسرة، وهو يأتي لنا باستمرار ليساعدنا في تخليص أوراقنا أو البحث لنا عن وظيفة، وكذلك أشكر جهود أعضاء جمعية المدمن المجهول والأستاذ الفاضل عبدالعزيز الحسن الذي لا ينقطع عن زيارة المرضى وإرشادهم دينيا.

«ج. أ»: أهلي و «مركز المؤيّد» ساعدوني... والقصة بدأت منذ 19 عاما

«ج. أ» عمره 34 سنة... بدأ حديثه معي قائلا: أحمد الله أنني موجود في هذا المركز للعلاج لأستعيد حياتي الطبيعية التي خسرتها بسبب المخدرات. عندما جئت إلى هذا المركز العام 2003 تم سحب السموم من جسمي وخرجت، ولم يكن الدور الثاني للتأهيل قد بدأ نشاطه رغم أنه موجود منذ عشر سنوات. وبفضل جهود أصحاب التبرع مع الطبيبة ندى حفاظ عندما كانت وزيرة الصحة تم استخدام الدور الثاني للتأهيل، وهذه المرحلة مهمة جدا لحماية المدمن من الخضوع لإغراء المروجين وأصدقاء السوء، لذلك عدت إلى «مركز محمد المؤيد» مرّة أخرى لأتعالج، والآن أنا في قسم التأهيل مع المدمنين المتعافين.

* كيف تجد معاملة الأطباء والممرضين؟

- كانت ممتازة، ومازالت العلاقة مع غيري من المتعافي والمدمنين ممتازة أيضا، فنحن هنا مثل الأسرة الواحدة نساعد بعضنا بعضا لنتخلص إلى الأبد من الإدمان.

* متى أدمنت المخدرات، وكيف؟

- القصة تبدأ منذ أن كنت في الخامسة عشرة من العمر، كنت تعودت ركوب الخيل مع شلة من الشباب، ووجدتهم يستخدمون هذه المواد بأنواعها، أصابني الفضول، أحببت أن أعرف ماذا سيحدث لي... وفعلا وجدت نفسي أتعاطى المخدر معهم وبعد 8 سنوات قرّرت أن أتخلص من إدماني؛ لأنني بدأت أعيش حياة لا أريدها لنفسي، فأخبرت أهلي.

*هل وقف أهلك معك؟

- نعم، أخذوني إلى مركز «محمد المؤيد» للعلاج، وقاموا بالانتقال إلى منطقة أخرى لكي أبتعد عن تأثير أصدقائي. جلست مع رجال دين ينصحونني ولكنني بعد أن شفيت عدت إلى التعاطي، وتم سجني مرتين. وفي المرة الثانية استمعت في السجن إلى محاضرات زملاء من جمعية المدمن المجهول وبدأت أقوى، وفعلا جئت إلى المركز كمدمن متعاف، ولا أنسى هنا مساندة الطبيبة عبدالنبي درباس لي والمرشدة المتطوعة أماني نفسيا لي، وأخيرا انضممت إلى زمالة المدمن المجهول، وساعدني ذلك على تقوية عزيمتي. هذه الجمعية تقوم بدور كبير في شفاء المدمنين هنا وفي الجمعيات الأخرى والمدارس والمساجد لتوعية الشباب من الجنسين.

لقد تحطم زواجي بسبب الإدمان ولدي الآن ولد وبنت، وأنا أعمل في شركة خاصة. آتي إلى المركز مرتين في الأسبوع (الأحد والأربعاء) لأدعم المتعافين مع زمالة المدمن المجهول، وأذهب أيضا إلى المراكز الصحية معهم 4 مرات في الأسبوع من السابعة والنصف حتى التاسعة مساء.

مدمن متعافٍ: «الداخلية» تساوي الجلاد بالضحيّة... و «الصحة» مقصّرة

«ع. ع» مدمن متعافٍ طرح نقاطا مهمة لتخليص المجتمع من آفة المخدرات، فقال: إن على الدولة ألا تحبس المدمنين وإنما المروجين وتجار المخدرات؛ لأنها ترتكب خطأ كبيرا في مساواتها المدمن الضحية بمروّجي المخدرات وتجارها الذي يحطمون حياة الناس بتشجيعهم على تعاطيها، ولا أدري لماذا لم تفتتح وزارة الصحة عيادة للمدمنين، فعددهم كبير ولا يسعهم مركز محمد المؤيد لمكافحة الكحول والمخدرات، وقائمة الانتظار طويلة.

وأضاف: الإدمان حالة مرضية تحتاج إلى علاج، والمدمنون ضحايا مروّجي المخدرات؛ لذلك يجب إنزال أشد العقوبة بهم لا بالمدمنين، وأنا هنا أناشد مجلس النواب تعديل المادة المتعلقة بمعاقبة متعاطي المخدرات، كما أطالب الدولة ومجلس النواب وجميع شرائح المجتمع بأن يقدروا ظروف المدمنين لأنهم ضحايا لمروجي المخدرات الذين يتواجدون منذ سنوات في كل مكان حتى في المدارس والسجون، لذلك هم بحاجة إلى مصحة للمدمنين أو سجن خاص بهم لأنهم غير مجرمين، وإنما قاموا بترويج المخدرات بسبب حاجتهم المرضية لتعاطي المخدرات، ولو وجدوا التأهيل والوظيفة فسيبتعدون عن التعاطي والترويج.

المدمنون بحاجة للعطف ... والحبس يضاعف المشكلة

المؤلم أن جهل الشخص لعواقب تناول هذه المادة ممن يروّج المخدرات يجعله لا يدرك أنه سيصبح مدمنا، فتتحطم حياته وينحصر تفكيره في الحصول على هذه المادة المخدرة، ويصبح نزيل هذا المركز الوحيد في البحرين. وللأسف المجتمع يحتقر من يتعالج من الإدمان أو يصبح نزيل السجون أو يموت بسبب جرعة زائدة أو ينتحر يأسا من الحياة، المدمنون بحاجة إلى العطف والرحمة، وهم بحاجة ماسة للعلاج والتوعية بمخاطر الإدمان والمساندة النفسية من الأهل والمجتمع، لا أن يوضعوا في السجن لأن الحبس لا يساعد على العلاج وإنما يضاعف المشكلة. هناك الكثير من المدمنين الذين لديهم الإرادة والرغبة الجادة في ترك المخدرات، لذلك أطلب من الجميع مساعدتهم المستمرة للتخلص من هذه الآفة.

كيف أدمنت المخدرات؟

- في العام 1992 كنت أعمل في أحد الفنادق عندما دعاني مسئول الأمن بالفندق إلى تناول سيجارة، ولكي قبلت لأفرج عن همّي حيث كنت حينها متضايقا جدا بسبب ظروف عائلية نفسية ألمت بي. شعرت بالراحة، ولكني وجدت نفسي راغبا بشدة في تدخين هذه السيجارة في اليوم التالي، حتى أدمنت عليها، وهكذا بدأ عذابي المستمر للحصول على هذه المادة بعد أن وصلت إلى تعاطي الهيروين عن طريق الإبر... تدمرت حياتي، وعندما وعيت خطورة وضعي اتجهت إلى العلاج في مركز «محمد المؤيد» لأني وجدت فيه خلاصي... وحدث ذلك فعلا، وها أنا اليوم مدمن متعاف أستفيد من دروس التأهيل لمعالجة الإدمان في هذا المركز، وأتطلع إلى حياة نظيفة. وكل ما أرجوه ألا ينظر إلينا المجتمع باحتقار، وأن يساعدنا أصحاب الأعمال للحصول على وظائف لتكون لنا حياة منتجة، وكذلك أرجو ألا يعتبرنا بعض رجال الدين مجرمين وإنما ضحايا. بعض رجال الدين لا يقبلون أن يساعدنا أحد، وأحد المتعافين مات تحت بيته الآيل للسقوط لأن رجل دين في قريته أبى أن يجمع الناس تبرعا لإيجاد سكن له. وأؤكد أن بيع المدمن للمخدرات إذا أدمن لا يكون إلا بسبب حاجته إلى المخدر، لا برغبة المتاجرة والكسب والإثراء كما يفعل تجار المخدرات ومروّجوها.

متعافٍ آخر: بعت المخدرات لأدرس... وحققت الحلم بعد العلاج

وكان آخر لقاء لي مع المدمن المتعافي «ع. ج» الذي يأتي للتوعية ولمساعدة زملائه في البحث عن وظيفة أو إكمال معاملات لهم... يبدو لك هادئا سمحا، بدأ يروي قصة إدمانه الذي تعافى منه وفقما يقول إلى الأبد...

- بدأت بيع المخدر لكي يجتمع لدي مال لأتمكن من الدراسة، ولكن الفضول دفعني إلى استخدامه. أخذت أتعاطاه وأبيع سنوات إلى أن قررت أن أتعالج أثناء دخولي السجن في مدد متفرقة وصلت إلى ثلاثة سنوات ونصف السنة، وانتهيت منها والحمد لله، وكان لمركز المؤيد والعاملين فيه والمتطوعين الفضل بعد الله في شفائي منذ 12 سنة. وأنا آتي المركز لأساعد غيري ليشفوا، ولأؤمّن احتياجات المتعافين الذين يبحثون عن وظائف أو لتخليص معاملاتهم الحكومية.

وماذا تعمل الآن؟

- عملت في شركة خاصة، وبدأت أدرس في الجامعة إدارة أعمال وأكملت دراستي هذا العام 2008، واستقرت حياتي بعد أن تزوجت من ممرضة وأسست عملا تجاريا صغيرا، وأصبح لدي دخل يكفي متطلبات حياتي، ومازلت عضو زمالة المدمن المجهول، وأقدم خدماتي التطوعية للمساجين المدمنين والمتعافين في المركز.

ممرّض: الفهم الخاطئ

للإدمان دينيا يعوق شفاء المدمنين

سألتُ الممرض محمد الحاج عن مدى وجود نظام متابعة للمدمن المتعافي، فقال: نعم، هناك اتصال دائم بيننا وبين المرضى حسب نظام يسمى «نظام العناية اللاحقة» لمنع انتكاسة المريض، كما أجلس معهم جلسات خارج المركز ليخبروني عن حياتهم، وهناك علاج جماعي نمارسه معهم في أوقات محددة في المركز بعد تعافيهم، وتمريض خارجي لدعم المتعافين في تعاملهم مع ظروفهم. وكان آخر لقائي مع معالج أول في المركز نبيل أحمد ضيف بسبب سفر رئيس المركز عبدالنبي درباس.

وأضاف: الفهم الخاطئ للإدمان من الناحية الدينية لا يساعد المدمن على الشفاء، وعندما قمنا بعلاج أحد المدمنين الذي كان بيته آيلا للسقوط حاولنا مساعدته عبر مناشدة شيوخ الصناديق الخيرية الدينية لمساعدته إلا أنهم رفضوا بناء بيته لأنهم يعتبرون المدمن إنسانا فاسقا لا يستحق المساعدة حتى بعد أن يشفى، وهكذا سقط عليه بيته في يوم كان فيه نائما ورحل عن الدنيا. نريد أن تتغير نظرة رجال الدين للمدمنين المتعافين وغيرهم ليساعدوهم على الشفاء ليبدأوا حياتهم من جديد كمواطنين صالحين.

إلى ماذا يهدف المعالج وهو يعمل على تأهيل مدمن على الكحول والمخدرات؟

- أهم ما يهدف إليه التقليل من مضاعفات الامتناع عن تعاطي المخدر الجسمية والنفسية، ومساعدته على التخلص من عادة التعود على تناول المخدر أو الخمر، وإعادة دمجه في المجتمع، ثم حمايته من الانتكاسة من خلال سد احتياجاته المتعددة، وحل جميع مشكلاته بما فيها القانونية.

ومتى يبدأ إرشاد المريض الفردي والجماعي؟

- هذه هي المرحلة الثانية حيث نحاول أن نقوي مناعته عن طريق علاج سلوكي تقويمي نقوم به، واستبدال النشاطات التي كان يقوم بها من قبل وتكون مرتبطة بالإدمان، كما نساعده على تحسين مهاراته في حل مشكلاته، ونقوم أيضا بعلاج الاضطرابات النفسية التي تصيبه مع الإدمان.

وماذا بعد ذلك... كيف يصل المدمن إلى بر الأمان، ويتجنب الانتكاس؟

- واقعا نحن نقوم بعمل تقييم لمراحل علاجه كل ثلاثة أشهر، مع التأكد أنه لم يتعاط المادة المدمنة أثناء العلاج، وإذا تناولها نقوم بالتدخل فورا لمنعه من الانتكاسة، ونحن نعلم جميعا أن علاج الإدمان يحتاج فترة طويلة.

هل يتوقف علاجه عند الانتهاء من علاجه السلوكي؟

- لا، وإنما يمتد إلى توعيته وتعليمه طرق التعامل مع اشتياقه لتناول المخدر وكيفية التغلب عليه باستخدام مهارات تساعده على حل مشكلاته النفسية والاجتماعية وكيفية اتخاذ القرار برفضه للمخدر أو الخمر إذا عرضها أحد عليه، وكذلك طرق تساعده على عدم الانتكاس إلى الإدمان من جديد.

وهل يتوقف العلاج التأهيلي عند هذا الحد؟

- كلا، وإنما نعمل على مساعدته على وجود الحافز لديه للاستمرار بعد أن بدأ العلاج، ونقوم بدعمه ومساندته وحمايته، وإسداء النصح والإرشاد له في الأوقات المناسبة، كما نحاول إزالة الحواجز التي تمنعه من العلاج، ومساعدته حيث نضع أهدافا محددة له أثناء العلاج يستطيع تحقيقها. وأثناء ذلك نحاول من خلال العلاج الجماعي علاج مشكلاته الأسرية والاجتماعية وتدريبه على التواصل مع أسرته ومجتمعه.

ماذا عن أهل المدمن، كيف تقومون بتوعيتهم بشأن كيفية التعامل مع المدمن في الأسرة؟

- هناك ثلاث مراحل تمرّ بها الأسرة، أولا نكرانها الشامل للمشكلة فتأتي بالأعذار والمبررات لانحراف ابنها، وثانيا تبدأ الأسرة بالتكيف مع فكرة إدمان الابن فيصاب المقربون منه بالإحباط والإحساس بالفشل في تربيته، وثالثا إحساس أفراد العائلة بالشعور بالذنب واليأس والفوضى وفقدان الأمل فيطلبون المساعدة الخارجية لعلاج ابنهم عن طريق المجيء إلى «مركز محمد المؤيد».

ونحن بدورنا نحاول أن نعلم المريض مهارات التواصل الاجتماعي، ومنها طريقة حديثه مع الناس وفتح المجال أمامه ليسأل ما يشاء، والمثابرة على تحقيق أهدافه، وكيف يرفض، وكيف يوجه النقد، ثم كيف يسترخي ويتأمل، وكيف يواجه ضغوط حياته وإحساسه بالغضب.

إن العلاج التأهيلي من أهم الوسائل لكي لا ينتكس حال المريض على إدمان الكحول والمخدرات، ولقد قامت مؤسسة يوسف خليل المؤيد ببناء الدور الثاني لعملية التأهيل ولم يتم تشغيله إلا في عهد وزيرة الصحة السابقة ندى حفاظ لأنها كانت مؤمنة بأهمية التأهيل العلاجي للمدمنين المتعافين، وهذا أحد إنجازاتها عندما كانت وزيرة الصحة، لذلك أرجو أن يهتم وزير الصحة إبراهيم الحمر بإكمال كل ما يحتاجه هذا المركز لأهميته في إنقاذ هؤلاء الشباب من قبضة وتجار المخدرات.

ويبقى السؤال: لماذا لا يقبض على كبار تجار المخدرات؟

من كل ذلك نكتشف أن وجود مركز واحد لعلاج الإدمان على الكحول والمخدرات تم إنشاؤه العام 1988 لا يكفي أمام طابور طويل من المنتظرين للعلاج بعد أن تورطوا بالإدمان، على رغم أن هذا المركز قدم خدمات كبيرة للمدمنين من أجل تخليصهم من الكحول والمخدرات، إذ قام بعلاج 60 ألفا و420 حالة في العيادة الخارجية حتى هذا العام، أما القسم الداخلي فأتم علاج أكثر من 3 آلاف و843 حالة إدمان على الكحول أو المخدرات منذ إنشائه العام 1988 حتى العام 2007. ولذلك فإن على الدولة إنشاء عدة مراكز أخرى، أو توجيه المتبرعين إلى إنشاء هذا النوع من المراكز لمقاومة انتشار وباء المخدرات. وعلى أمل ازدياد اهتمام المسئولين في الدولة بهذه الظاهرة الخطيرة التي وصلت إلى مدارس الأطفال والمراهقين، وتوعية هذا الجيل الناشئ بالخطر الداهم، وإصدار قوانين بإلزام المريض بالعلاج وإلا فالعقاب بانتظاره، لأن الأهل لا يملكون حق إخضاع المريض للعلاج، وفي كل ذلك سيكون للقطاع الخاص دور كبير، وسيكون هناك دور كبير أيضا لعلماء الدين الذين يحتاجون إلى توعية لحماية الشباب كي لا يقعوا ضحايا لتجار المخدرات، بالإضافة إلى الوقوف إلى جانبهم في محاولتهم للشفاء والعودة إلى حياتهم الطبيعية المثمرة.

ويبقى التساؤل: لماذا لا يقبض على كبار تجار المخدرات في دولة صغيرة كالبحرين منافذها محدودة جدا، بل بالعكس نرى أن تجارة المخدرات ازدادت انتعاشا في السنوات الأخيرة، وأنه لا يتم القبض إلا على المروجين الصغار، فإلى متى تستمرّ معاناة الأفراد والأسر من هذه الآفة الخطيرة؟!

مركز محمد المؤيد لمكافحة الكحول والمخدرات... تاريخ وإنجاز

شعر الناس بظاهرة الإدمان على المخدرات أواخر الثمانينيات، ولم يكن يوجد في ذلك الوقت مركز لعلاج ومكافحة الكحول والمخدرات. وكان المرحوم رجل الأعمال يوسف خليل المؤيد يبحث في ذلك الوقت عن مشروع خيري يخدم من خلاله المجتمع ليقوم به ثوابا لروح ابنه المرحوم محمد المؤيد الذي توفى مقتولا في لبنان العام 1972، فقرر أن يضع تبرعه الخيري في إنشاء هذا المركز الذي أسماه «مركز محمد المؤيد لمكافحة الكحول والمخدرات» الذي تمّ افتتاحه العام 1987، وبلغت تكاليفه في ذلك الوقت 140 ألف دينار، وكان يتسع لستة عشر سريرا.

وعندما علم يوسف المؤيد وهو على فراش المرض قبل موته بشهور بمدى حاجة الوزارة إلى توسعة المبنى ببناء دور ثان وافق على التبرع فورا مرة أخرى بمبلغ قدره 160 ألف دينار العام 1997، وأصبح لدى المركز دور ثان للمتعافين من الإدمان يسع عشر أسرة وقاعة للتلفزيون والكمبيوتر وقاعة للرياضة والاستجمام، ولكن لم يتم تشغيله إلا العام 2006 بسبب عدم تواجد موازنة لتشغيل ستة ممرضين أو ممرضات.

ولما كان «مركز محمد المؤيد لمكافحة الكحول والمخدرات» بحاجة أخيرا إلى مكتبة متكاملة لاستخدامها من قبل نزلاء المركز المتعافين من الإدمان، فقد قامت مؤسسة يوسف خليل المؤيد وأولاده بالتبرع بأثاث هذه المكتبة. كما تبرعت هذه المؤسسة التجارية من منطلق إيمانها بالأعمال الخيرية براتب موظف «مرشد تعافٍ» يلعب دورا كبيرا في مساعدة المدمنين على الشفاء الكامل، ولم يكن له كادر وظيفي في الوزارة ليتم تعيينه فقامت المؤسسة بالتحرك سريعا من أجل مصلحة المرضى وقامت بدفع راتبه.

ولايزال المركز المهم يواصل أداء رسالته النبيلة لا في علاج المدمنين فقط، وإنما يقوم بتأهيل المتعافين وحمايتهم من الانتكاس نحو هذا المصير المظلم، والبدء في حياة جديدة صحية بناءة وهو أشد ما يحتاج إليه المتعافين من الإدمان على الكحول أو المخدرات لأن الخطر يكمن في اختلاط المدمن المتعافي مع مجتمعه القديم فيعود إلى الإدمان من جديد.

العدد 2081 - السبت 17 مايو 2008م الموافق 11 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً