كشف تقرير لخبراء اقتصاد في الأمم المتحدة، أن أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة، وتراجع قيمة سعر صرف الدولار الأميركي، واستمرار حالة عدم التوازن على الساحة العالمية بالإضافة إلى ارتفاع أسعار النفط ومشتقاته، تمثل جميعها تهديدا رئيسيا لنمو الاقتصاد العالمي. ورأى خبراء الاقتصاد في المنظمة الأممية أن الاقتصاد العالمي على حافة الانكماش، متوقعين حجم النمو هذا العام عند 1.8 في المئة فقط، على أن تصل معدلات نموه العام المقبل إلى 2.1 في المئة بعد أن كانت في العام 2007 عند 3.8 في المئة.
وعلى رغم أن التقرير يقول صراحة إن «الدول النامية لن تكون بهذا السوء»، لافتا إلى «أن النمو في هذه الدول سيصل هذا العام إلى خمسة في المئة مقارنة بالمعدلات التي وصلها العام الماضي عند 7.3 في المئة». لكن تقريرا عالميا آخر صدر عن صندوق النقد الدولي، قبل أيام، حذر على لسان رئيسه دومينيك شتراوس «من أن أسعار الغذاء إذا بقيت مرتفعة، فإن العواقب ستكون كارثية على الناس في كثير من البلدان النامية وخصوصا إفريقيا، وأن هذه المشكلة قد تخلق أيضا عجزا تجاريا ربما يؤثر على اقتصاديات كبيرة، فالآثار ليست فقط إنسانية».
الكثير من المؤسسات العالمية من أمثال الأمم المتحدة والبنك الدولي لم تكف عن التحذير من اقتراب العالم من شفير أزمة اقتصادية بنيوية مصدرها آلية عمل النظام الرأسمالي المعاصر، ملقية تبعة ذلك أساسا على الولايات المتحدة. وتعيد هذه المصادر ذاكرة العالم إلى الأعوام 1929 - 1932 عندما ألمت بالعالم أزمة الكساد الكونية التي قادت إلى الحرب الكونية الثانية، التي كان مصدرها الأزمة المالية الأميركية.
لم تأتِ تلك الأزمة من فراغ، بل جاءت في أعقاب فترة الازدهار النسبي الذي نعمت به الدول الرأسمالية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، التي فتحت المجال أمام أسواق جديدة، بعضها كان تابعا للدولة العثمانية وبعضها الآخر تحت الدول المنهزمة الأخرى مثل إيطاليا وألمانيا. ساعد في تسريع خطى ذلك الازدهار الاقتصادي استعمال مصادر الطاقة الجديدة منها النفط والكهرباء وبالثروة في مجال الاتصالات وطرق الإنتاج بتعميم التايلورية إضافة إلى تزايد حركة التركيز الرأسمالي.
لكن هذا الازدهار الاقتصادي الذي استمر ما بين الأعوام 1922 و1929 لم يدم طويلا، إذ، وكما تشخصها دراسة نشرها موقع الشامل (http://www.achamel.net/Lyceens/cours.php?id=258 )، حمل معه اختلالات عميقة، «ففي الوقت الذي ارتفعت أرباح المؤسسات الصناعية بـ 65 في المئة ، لم ترتفع أجور العمال إلا بنحو 11في المئة. ولمواجهة التفاوت بين كمية الإنتاج الصناعي والقدرة الشرائية لجأت الحكومة إلى تشجيع الاستهلاك بواسطة السلف واستعملت الشركات الإشهار لدفع الناس إلى الشراء ما خلق رواجا اصطناعيا. وعرفت البورصة مضاربات حول أسهم الشركات بفصل القروض ما تسبب في ارتفاع أسعار الأسهم بما يفوق بكثير من قيمتها الحقيقية. فترتب عن هذا ارتفاع أسعار الأسهم بـ 20 في المئة ما بين 1927 و1928 في حين لم يرتفع الإنتاج الصناعي إلا بنحو 12 في المئة».
ينبغي هنا استرجاع ما وصف به عالم الرياضيات الكبير وأحد أكبر علماء الفيزياء، ألبرت آينشتاين (1879 - 1955)، الذي منحته مجلة «تايم» الأميركية في 3 يناير/ كانون الثاني 2003 لقب شخصية القرن بشأن النظام الرأسمالي، حين قال: «برأيي أن فوضى الاقتصاد في المجتمع الرأسمالي، كما تتجلى اليوم، هي المصدر الحقيقي للشر... أنا على يقين أنه للحد من هذا الشر المتأصل هناك طريقة واحدة فقط هي بناء الاقتصاد الاشتراكي». ورد هذا النص في مقالة لرجل ظل على مدى نصف قرن شاغل الدنيا والناس، واستطاع بفضل نظرياته أن يعيد تشكيل أفكارنا عن الكون والقوانين التي تتحكم به.
لقد انطلقت تلك الأزمة العالمية، أيضا من الولايات المتحدة، وتحديدا من بورصة نيويورك يوم الخميس الأسود 24 أكتوبر/ تشرين الأول 1929، وكان مصدرها فقدان المساهمين الثقة في قيمة الأسهم، فأسرعوا لبيعها، فانهارت أسعارها، ما أدى إلى إفلاس المساهمين والمضاربين ونحو 5000 مؤسسة بنكية لعدم استرجاع الديون من المساهمين والمضاربين.
بدأت بوادر الأزمة بالظهور عندما تراجع حجم الاستثمار حتى أصبح في العام 1931 سالبا في الولايات المتحدة الأميركية. أما البطالة فقد بلغت نحو 32 في المئة في فترة الكساد وهبط الإنتاج نحو 50 في المئة وتراجع حجم الأجور إلى النصف تقريبا أما أسعار الأسهم والسندات فقد تراجعت كثيرا لتصل إلى 20 في المئة من قيمتها، إن هذا الهبوط والتراجع في الإنتاج والاستثمار قد أدى لانخفاض المستوى العام للأسعار وزيادة معدلات البطالة وتراجع الأجور والاستهلاك الحكومي والخاص في آن.
من جراء كل ذلك اضطرت الولايات المتحدة الأميركية إلى سحب رساميلها المستثمرة بالخارج وتوقيف مساعداتها لبعض البلدان لمواجهة الأزمة فامتدت الأزمة إلى البلدان الرأسمالية بشكل متفاوت. فكانت ألمانيا والنمسا الأكثر تضررا نظرا لارتباط اقتصادهما بالقروض الأميركية. ولم يسلم من الأزمة إلا الاتحاد السوفياتي نظرا لضعف ارتباطه بالعالم الرأسمالي واعتماده سياسة التخطيط الاقتصادي.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2080 - الجمعة 16 مايو 2008م الموافق 10 جمادى الأولى 1429هـ