العدد 2080 - الجمعة 16 مايو 2008م الموافق 10 جمادى الأولى 1429هـ

المبارك: العرب اليوم يعيشون صدمة كبيرة ولم يفكوا لغز «النكبة»

اعتبر رئيس محكمة الاستئناف الشرعية الجعفرية الشيخ حميد إبراهيم المبارك أنّ الذكرى الستين لنكبة فلسطين تمثل نتاجا للصدمة التي من شأنها إضعاف العقل وعدم إعماله لعلاج المشكلات في الحاضر والمستقبل، ولم يستطيعوا أن يفكوا لغز « النكبة».

وقال المبارك في خطبة الجمعة في جامع «الزمان» في كرزكان أمس: «في ذكرى النكبة يمكننا تلخيص نتائجها بما يمكن أنْ نسميه الصدمة، ومن شأن الصدمة إضعاف العقل الذي هو أداة ربط الأسباب بالنتائج، وهذا معنى الالتفات إلى أنّ الكثير من النتائج الظواهر الاجتماعية يمكن أنْ تقع في رتبة الأسباب، فالأسباب تولّد الظاهرة والظاهرة بدورها تؤكّد الأسباب ذاتها في مرحلة النتائج، فالضعيف الذي يكون ضعفه سببا؛ لأن يعتدي عليه الغير ويكون اعتداء الغير عليه منتجا لتأكيد ضعفه وهكذا يمكن أنْ نفهم أسباب ونتائج النكبة (...)الأسباب جميعها تنتمي إلى مرض ثقافي نسميه غياب العقل، وغياب العقل -أي الربط الموضوعي بين الأشياء- كان سببا للنكبة والنكبة بدورها أكّدت هذا الغياب، وأوقعت العرب في دوامة الصدمة».

وأوضح المبارك أنّ الصدمة تمظهرت من خلال عدّة أمور منها: ردود أفعال سلبية جدا تجاه كل نتائج الحضارة الغربية على أساس تحميل الغرب مسئولية نشوء كيان (إسرائيل)، مع أنّ الله تعالى يقول « الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه»، فينبغي أنْ يكون النظر إلى الحضارة الغربية على أساس إتباع الأحسن وليس التفنيد المطلق، ولا تختص محاسن الحضارة الغربية بالتطور التقني كما يُقال، فإن التطوّر التقني هو جانب من جوانب الحضارة، فإننا نرى أنّ الحضارة الغربية قد أخرجت الفلسفة من عالم الفرضيات إلى عالم تحليل الوجود الإنساني بكل أبعاده، فكان علم النفس بأقسامه المختلفة وعلم الاجتماع بعرضه العريض ثمرة لتلك الفلسفة الإنسانية، فالحضارة الغربية المادية كما نسميها عادة لها مساوئ ومثالب هائلة ولكنها أيضا تحمل مخزونا تقدميا إيجابيا كبيرا، وعلينا أن ننظر نظرا وسطيا معتدلا إلى معطيات تلك الحضارة».

و رأى أنّ المظهر الثاني من مظاهر الصدمة هو « بروز المواقف الانفعالية كظاهرة وضعف الاستراتيجيات المبنية على الفهم الموضوعي للواقع، وللقوى الفاعلة على الأرض، فمواقف العرب تجاه «إسرائيل» خلال 60 عاما مضت تؤكّد هذا الانفعال، وقد شهدنا قبل أيام حوادث لبنان ورأينا أنّ قوى السلطة هناك لم تستطع أن تقرأ الواقع جيّدا وسارت في اتجاه مواقف انفعالية غير مدروسة ولم تتنبه إلى الواقع أو إلى حدود قوّتها الميدانية، غابت عنها معطيات الأرض، ألا بعد أنْ اكتوت بنار الأحداث الدامية، وكان يمكن أنْ تتجنب وتجنب لبنان كلّ ذلك لو كانت تملك فهما استراتيجيا للواقع، وهذا مثال حاضر على النمط العام للتفكير العربي».

أمّا المظهر الثالث للصدمة فهو ناتج عن تضخم الأدلجة الثقافية والسياسية إلى حد التكفير الديني والسياسي، وليس المقصود بالأدلجة هو الاعتقاد ، فإن الاعتقاد ليس أمرا سلبيا بل هو نتيجة طبيعية للتفكير الإنساني، وإن ظهرت بعض المذاهب العدمية في الفلسفة الحديثة التي تدعي عدم الاعتقاد بشيء ، ألا انه لا يمكن أنْ يتحرّك الإنسان في الحياة من دون أن يعتقد بشيء ما، بل المقصود بالأدلجة السلبية هو الميل إلى احتكار الاعتقاد وإدعاء أن ما يتوصّل إليه الفرد أو الفئة من نتائج يجب أنْ يعمم على الجميع.

وأشار المبارك إلى أنّ المظهر الرابع من مظاهر الصدمة هو « التقديس المتعاضم للرموز السياسية والثقافية كحالة من التعويض عن الفشل الذريع على أرض الواقع، ويجب أنْ نؤكّد هنا أنّ آفة التقديس ليسر وصمة للدينيين فحسب كما يتوهم البعض، بل هو حالة ثقافية عامّة نجدها بوضوح لدى غير الدينيين أيضا، ولقد أحسن الكواكبي في كتابه «طبائع الاستبداد» عندما اعتبر الاستبداد معضلة الشرق الثقافية من دون أن يكون ذلك خاصا بدين أو مذهب أو اعتقاد معين». في حين أنّ المظهر الخامس من مظاهر الصدمة هو الاستغراق في خصوصيات التاريخ والماضي العريق، ومحاولة تقليده واستعادته بحذافيره بوهم أن ذلك كفيل بإصلاح الحاضر، ولكن الحقيقة التي ينبغي التأكيد عليها هي أنّ التاريخ خط زمني يسير إلى الأمام ولا يمكن أن يُعاد به إلى الوراء ابدأ، فخصوصيات الحقب التي انقضت لا يمكن استعادتها، ولو حاولنا تقليدها لأصبحت مساحات غريبة وشاذة عن خصوصيات الحاضر، نعم يمكننا أنْ نقرأ التاريخ فنستلهم منه التجارب العامّة التي تنفعنا في صنع الحاضر مع الاحتفاظ والوعي لمقتضيات الحاضر وما يستجد فيه.

العدد 2080 - الجمعة 16 مايو 2008م الموافق 10 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً