احتل اسم الصحافي العراقي، منتظر الزيدي، صدر كثير من الصحف العربية والأجنبية، إثر العمل غير العادي الذي قام به، والمتمثل بإلقاء حذائه باتجاه الرئيس الأميركي جورج بوش، أثناء مؤتمر صحفي بمشاركة رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي.
منذ الوميض الأول الذي برق لي وأنا أبصر قذف الرئيس الأميركي بحذاء صحفي عراقي شاب، لاح في بالي صورة حذاء آخر.
إنه الحذاء الشهير الذي قذف في وجه التمثال الزيتي الكبير لصدام حسين في ساحة الفردوس.
ففي ظهيرة التاسع من أبريل/ نيسان بين مصدق ومكذب لماحدث، فقد كانت صورة هذا الحذاء هي التي تتصدر النسمات الأولى من الصور التي التقطتها شبكات التلفزة العالمية، فكل العالم شاهد هذه الصورة العفوية والمعبرة في دلالتها، إنها نهاية غير سعيدة لحقبة رسمتها الحروب الكارثية والمقابر الجماعية وقهر الإرادة والحصار الظالم على الشعب المغلوب على أمره.
الحذاء الأول... كان من مسن عراقي... أما الحذاء الآخر فكان لشاب عراقي يافع.
الحذاء الأول كان لرجل الشارع البسيط الذي ذاق مرارة البطش الصدامي، والحذاء الآخر كان لصاحب قلم، لم يعد على ما يبدو قلمه يسعه التعبير عن تردي الأوضاع الأمنية والاجتماعية بسبب آثار سلطة الاحتلال غير الشرعية في العراق.
كلا الحذاءين يجسدان مأساة الرافدين طوال عقود من الزمن، فتغير الأجيال وتقلب الأحوال لم يسعد العراق المثخن بالجراحات.
فقدر العراقيين أن يكونوا تحت الاستبداد الصدامي وبين الاحتلال.
وعودا على بدء، فإن الرسالة المباشرة التي أراد أن يوصلها الصحافي منتظر الزيدي هي أن «العراقيين لم يودعوا السيد جورج بوش بالزهور كما كان يأمل».
الحقيقة التي يراد تغييبها أن الاحتلال الأجنبي للعراق كان منذ اليوم الأول مخالفا للشرعية الدولية، تماما كما كان صدام حسين ونظامه البائد فاقدين للشرعية منذ تسلطهما على أرقاب العراقيين.
من دون ثمة شك، أن منتظر الزيدي أراد أن يسمع العالم كله: أن أميركا لم تجلب الخير إلى العراق...
ولكن ليست وحدها أميركا من لم يجلب الخير، فحكومات المنطقة عملت جاهدة على أن تسرق الفرحة من عيون العراقيين الذين تخلصوا من بطش النظام الصدامي.
مخابرات المنطقة هي الأخرى عملت على تحويل العراق إلى مختبر تجارب وإلى ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات.
يا إلهي... كم عانى العراق من محن بسبب «الأشقاء»، وإذا كان هذا حاله مع الأشقاء فكيف هو الحال مع غيرهم.
حذاء منتظر... هو رسالة بسيطة، لكنها عميقة في معانيها
حان الوقت لأن يخرج المحتل من العراق...
وحان الوقت لأن تتوقف حكومات المنطقة عن التآمر على العراق
وحان الوقت لأن يتوقف «شياطين الدين» عن «فتاوى التفخيخ».
ولكن في الوجه الآخر من الصورة: فإنه مهما قيل حق منتظر الزيدي أو عدم حقه، أو عن لياقة ما حدث أو عدم لياقته، وهل كان على منتظر الزيدي أن يوظف سلاح الكلمة فقط، بصرف النظر عن كل ذلك، فإن هناك حقيقة أخرى يتغافل عنها البعض سهوا وعمدا: ماذا لو كان المقذوف غير جورج بوش؟... وماذا لو كان الحادث قد وقع في عاصمة عربية أخرى؟... أو ماذا لو كان المقذوف زعيما آخر في حقبة صدام حسين ماذا كان سيحدث؟... نترك لكم الجواب
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 2298 - السبت 20 ديسمبر 2008م الموافق 21 ذي الحجة 1429هـ