احتفلت أمس «إسرائيل» بذكرى عيد ميلادها، بإطفاء ستين شمعة من عمرها المديد بالدماء والأشلاء، بحضور ومباركة الرئيس الأميركي جورج بوش.
بالمقابل، أحيا الفلسطينيون ذكرى النكبة والمجازر والتشريد، بتنظيم الاحتجاجات والمسيرات ورفع الرايات السوداء، واختاروا إطلاق 21915 بالونة سوداء في سماء رام الله، بعدد أيام «إسرائيل»، كما لوحوا بالمفاتيح الكبيرة الرمزية لتذكير العالم بحقّهم في العودة إلى أرضهم المحتلة منذ ستين عاما.
بوش الذي وصفه الإسرائيليون بأنه ليس هناك صديقٌ أكثر وفاء منه لبلادهم، وقف أمس في الكنيست الإسرائيلي مجددا دعمه الكامل للدولة العبرية، قائلا إن «أميركا تفتخر بأنها أفضل صديق لإسرائيل في العالم». وذهب في مزايدته إلى القول: «إن عدد سكان إسرائيل سبعة ملايين، لكن عندما يواجهون الإرهاب والشر فإن عددهم سيكون 307 ملايين لأن الأميركيين يقفون معهم»!
وفي الوقت الذي حمل بشدة على من وصفهم بالمتطرفين الإسلاميين، بدعوى أنه «لا يمكن لأحد يؤمن بإله إبراهيم أن يرتدي حزاما ناسفا ليقتل أطفالا أبرياء»، فإنه أغمض عينيه عمّا يفعله أصدقاؤه منذ ستين عاما، بدءا من بيغين وشامير... وانتهاء بنتنياهو وشارون وأولمرت، مستخدمين ما يفوق الأحزمة الناسفة التي يستخدمها المحبطون بآلاف المرات، من حيث التدمير والفتك بالضحايا، من طائرات الأباتشي والقنابل العنقودية والصورايخ الأميركية الذكية وغير الذكية.
إنها أبشع حفلة عيد ميلاد في التاريخ، دشّنها الرئيس الأميركي هو الأكثر تهوّرا وتسبّبا في شقاء البشرية، ومازالت حروبه العبثية تضرم المنطقة بمزيد من النيران، من أفغانستان إلى العراق ولبنان وفلسطين.
الحفلة مرت عربيا وسط خُدرٍ عام، فالحكومات العربية لم تتعب نفسها حتى بإصدار بيان بالمناسبة، والعواصم العربية لم تصدر عنها أنّة ولا رنّة، ماعدا بعض النشطاء والتيارات، التي مازالت تحتضن القضية في دفء قلوبها. بل إن رئيس أكبر بلد عربي، خاض مع «إسرائيل» أربعة حروب، بادر إلى تقديم برقية تهنئة بعيد الميلاد المجيد لدولة «إسرائيل». البرقية كانت موجهة من الرئيس المصري حسني مبارك إلى الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز للتهنئة بإقامة الكيان الصهيوني العنصري في قلب الأمة العربية. ومثل هذا الموقف لا يمثّل استهتارا بدماء الشهداء العرب، مصريين وغير مصريين فحسب، بل استهتار بالتاريخ العربي كله، وبتاريخ أكبر جريمة سياسية في القرن العشرين، وشهادة زور على سرقة أحد الأوطان العربية وتشريد الملايين من أهله. وهو موقفٌ لم يعد مستغربا مع إفلاس النظام العربي وتفسّخه، بعد أن انقلب على كل الثوابت العربية والإسلامية، وأصبح يتبنى كل الطروحات الغربية المعادية للأمة وتطلعاتها في استقلال القرار والتحرير. بل أصبح معاديا لكل قوى المقاومة، والمشاركة في حصارها، وإدانة أعمالها باعتبارها إرهابا ومغامرة وعدم واقعية.
هل من جديد؟ نعم، ففي ذكرى النكبة الستين، وفي دولةٍ أخرى من دول «الطوق» (سابقا)، تم منع فعالياتٍ شعبيةٍ كانت ستنظمها قوى المجتمع المدني احتجاجا على قيام «إسرائيل»، كل ذلك لكيلا تزعل «إسرائيل»!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2079 - الخميس 15 مايو 2008م الموافق 09 جمادى الأولى 1429هـ