العدد 2078 - الأربعاء 14 مايو 2008م الموافق 08 جمادى الأولى 1429هـ

الكويتيون والبحرينيون و«الخيانة العظمى»!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

قبل أيام خلت كنت في حوار مع أحد الأشقاء الكويتيين عن أوضاع المنطقة المأسوية ومنها الموجات الانقسامية الطائفية والاثنية الخطيرة التي غمرت أقطار المنطقة ومن بينها البحرين والكويت، فأبدى لي شقيقي الكويتي امتعاضه وتوجسه مما حصل من انتكاسات وإثارة طائفية واعتقالات عقب حدث تأبين الراحل عماد مغنية في الكويت، وإنه كان من الممكن أن يتحول المشهد الكويتي إلى قرين للمشهد البحريني، وقد أثار فيني هذا قابلية للتهكم السوداوي على حديث شقيقي الذي قلت له إن هنالك قدرا كبيرا من التباين بين كلا المشهدين!

فالإثارة الطائفية في المشهد الكويتي وخصوصا ما حصل أخيرا في قضية تأبين مغنية إنما هي أشبه بإناء زجاجي يحوي سائلا فاقعا قد سقط على الأرض وانكسر وتناثرت شظاياه الحادة واللامعة ليتم تجميعا وكنسها بعد ذلك أو تظل هنالك لتحدث شيئا من الجرح كحادثة من الحوادث، أما بالنسبة إلى موقع الإثارة الطائفية في حيثيات المشهد البحريني فهو أكبر وأعمق وأغمر من ذلك بكثير، وهو أشبه بانهيار وتشرخ أو ربما انسداد مزمن لشبكة الصرف الصحي وفيضان شاسع لمياه المجاري (أعزكم الله) وغمرها بوساخاتها ونجاساتها لجميع الأراضي والساحات والمرافق العامة والخاصة فيما يستحيل أن تحدث طهارة أو يكتمل وضوء من دون التلوث بتلك النجاسة الموبوءة والمصيرية، فهناك يعيش الوطن بتوحيد سواعد وقلوب وهموم أبنائه في صيغة حضارية عصرية، وهنا يعيش الوطن عبر توازن الرعب الطائفي والقبلي والمناطقي المدمر!

وفي وسع من يتابع تحضيرات مختلف القوى والتيارات السياسية في الكويت لانتخابات مجلس الأمة 2008، ويطلع عبر الفضائيات الكويتية المتعددة كـ «الراي» و «فلاش» وغيرهما للإعلانات والدعايات الانتخابية للمترشحين من مختلف القوى أكانت ليبرالية أم إسلامية - سياسية سنية أم شيعية لينبهر ويذهل بالسمو والرقي الوطني المتآلف والمؤتلف للشعارات الانتخابية المرفوعة والمتبناة من قبل المرشحين بمختلف انتماءاتهم الطائفية والايديولوجية والحزبية، والتي جميعها تبدو لي كجواهر كريمة مكملة وجامعة في عقد واحد، خذ على سبيل المثال الإعلان الانتخابي الرائع للمترشح حسين علي السيد خليفة القلاف البحراني*، ناهيك من الشعارات والأجندة التنموية المدنية والعصرية التي يتحدث ويتحاور حولها بحماسة واقتدار وأفق مستنير الكثير من المرشحين من ليبراليين وإسلاميين وغيرهم بعيدا عن اصطفافات «كتل إيمانية» و «كتل شيطانية»، وبعيدا عن غوغائية تكفيرية، وعن معارك «أجنداتنا» و «أجنداتهم» وخطابات تخوينية وإقصائية للآخر، وبعيدا حتى عن تلك الشعارات التي لربما يزعم فيها المترشح أنه والرسول الأعظم (ص) في بردة واحدة، مع العلم أن تلك الملاحظات المقارنة تأتي فقط على مستوى الطرح الخطابي والشعار الانتخابي والعملية التنظيمية فقط من دون العمل والإنجاز!

ومن دون استحضار لجيوش الآيات والآل والصحابة والملائكة ولـ «خياش» العيش والزكوات الطارئة والطائرة التي يتم عبرها شراء الأصوات والكرامات الآدمية ليتم تثمينها وتأجيرها كما يحصل عندنا في سوق نخاستنا السياسية، فقد قدر لي مصادفة أن أشاهد برنامج يتحدث فيه الداعية الكويتي المعروف محمد العوضي ويتفاخر برفعه بيانا رسميا من قبل أحد كبار المسئولين الكويتيين ينذر فيها برفض ومنع جميع «الأعمال الخيرية» و «التبرعات» و «المساعدات» المقدمة من قبل المترشحين وممثليهم في فترة الانتخابات باعتبارها رشوة ومثيرة للشبهة، بالإضافة إلى الأخبار العاجلة عن القبض على من يقومون بشراء الأصوات وغيرهم!

هنالك في الكويت التي تربطنا بها على مستوى العائلة الحاكمة والنخب السياسية والروابط العائلية الكثير من العرى الوثيقة التي لا انفصام لها، هناك تنتصر الدولة المدنية الحديثة على القبلية، وتنتصر الدولة على الطائفية لا أن تنتصر بها كما هو يحصل لدينا، هناك تفرض الدولة على المواطن احترامه لها، هناك تحلم وتسعى المعارضة الوطنية وقوى المجتمع المدني نحو الانتصار للقضايا الحيوية والمصيرية، وهنا تحلم وتسعى أكبر قوى المعارضة للانتصار على راحة وطمأنينة الوزير عطية الله وكأنما هي معارك ثأر شخصية، ويظل بين كل هذا وذاك المواطن أسيرا مكبلا في حلقات الفقر المعيشي والفقر السياسي وكأنما لا فكاك ولا خلاص من كل ذلك!

ما قد يميز أيضا البحرين عن غيرها من دول المنطقة ومن بينها الكويت هو أن البحرين أكثر دولة يتم فيها إطلاق تهم الخيانة العظمى جزافا بلا حدود وبلا احترام للذات وبلا احترام للقوانين وللدستور وللمواطنة والمواطنين ولمنابر الجمعة والجماعة، بل إن تهم «الخيانة العظمى» لو أحصيناها لربما تفوق سعة وانتشارا مجمل الجنح والتهم الجنائية الأخرى!

ما حدث أخيرا يعد فضيحة سياسية وقيمية وإنسانية من الوزن الثقيل، وذلك حينما اتهم النائب وخطيب الجمعة جاسم السعيدي من على منبر الجمعة منظمي الزواج الجماعي في المنطقة الغربية بتلقي أموال من إيران «التي تدعم خلاياها الحية والنشطة في المنطقة» في حين كشف النائب الشيخ حسن سلطان أن الأموال مصدرها جلالة الملك المفدى أثناء الزفاف الجماعي كما نشرت «الوسط» ذلك في 10 مايو/ أيار 2008!

ويحق لنا حينها أن نتساءل هل غابت عن أخونا السعيدي هذه الآية الكريمة «يا أيها الذين أمنوا إذا جاءكم فاسق بنباء فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين» (الحجرات: 6) و «الفتنة أشد من القتل» (البقرة: 191) والحديث النبوي «إذا قلت ما فيه فقد اغتبته, وإن قلت ما ليس فيه فقد بهته»؟!

هل غاب عن أخونا ما يمثله هذا من إهانة لمنبر الجمعة، وقبلها إهانة لوزارة العدل والشئون الإسلامية، وإهانة لقطاع عريض من المواطنين البحرينيين، وإهانة للبرلمان، وإهانة للدولة، وإهانة لدولة صديقة للبحرين تربطها اتفاقيات حيوية ومصيرية وروابط تاريخية وثقافية كثيرة؟!

هل يعي النائب السعيدي المخلفات والعواقب المدمرة لكل ذلك على سمعة منبر الجمعة وسمعة الوطن وسمعة المواطنين البحرينيين؟!

تخيلوا يا قراء أننا لم نشهد أية مواقف إدانة علنية أو بيانات استنكار ممن يهمهم الأمر حول ذلك، ولم نشهد تحركا من أي رجل دين أو جمعيات «إسلامية» تجاه هذا الافتراء والتضليل الخطير للغاية!

نحن نطالب النائب والخطيب السعيدي باعتذار واضح وصريح لمن اتهمهم ولكامل الشعب وللمصلين وللدولة عن ما قاله في خطبة الجمعة الماضية، وما قد يعتبر تضليلا وافتراءا خطيرا وذلك حفظا للكرامة وللمروءة والشهامة الوطنية، ولإثبات أنه إنما يريد في النهاية حفظ المصلحة العامة كما كان يردد كثيرا حول ذلك في أكثر من مناسبة!

نحن نطالب الأخ السعيدي بالاعتذار ونوجه الخطاب ذاته إلى كبار الداعمين والمحرضين والمشجعين لهم بأنهم طالما أنهم اختاروا جاسم السعيدي ممثلا لهم وناطقا باسمهم فليتحملوا بمسئولية وطنية وتاريخية جميع العواقب والنتائج المحتومة التي تأتي جميعا في الصميم من دون أن تعرف أكثر من وجه أو ذراع أو لسان وخطاب!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 2078 - الأربعاء 14 مايو 2008م الموافق 08 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً