حق تقرير المصير هو قضية انسانية مشروعة لجميع القوميّات أو الأقليّات، التي غالبا ما تعاني من الاضطهاد، لذلك كان نضال هذه الشعوب عبر التاريخ من أجل دولة مستقلة أو كيانات لا مركزية تضمن لها خصوصيتها وتقاليدها.
أقليات حالمة، هكذا ينظر الكثير منّا إلى هذا الموضوع وباستهتار!، إلا أن الأهداف العظيمة والانجازات الضخمة غالبا ما تبدأ بأحلام. ومن هنا كان لابدّ من الاشارة إلى القضية الكردية التي تمّ ويتمّ تداولها، من أجل دولة مستقلة لهذه القومية في الجزء الجنوبي من كردستان، بدعم من مؤسسات أوروبية وأميركية، اذ شجَعت أميركا، في تقرير جرى تداوله بين أعضاء الكونغرس الأميركي، في أغسطس/ آب 2005، قيام دولة مستقلة للأكراد في العراق تمهيدا لقيام كردستان الكبرى. فما هي إمكانية تحقيق هذا الحلم الكردي الذي دام انتظاره قرونا؟ ومَن يؤيّد ومَن يعارض؟ وهل هو الشرق الأوسط الجديد الذي وعدتنا به أميركا: كردستان كبرى تغيّر حدود أربع دول: العراق، تركيا، إيران وسورية؟
عوامل كثيرة تلعب دورا رئيسيا في إمكان قيام هذه الدولة، منها الاقليمية ومنها السياسية والدولية. فهل توازي كل هذه التغييرات والمواجهات التي ستتعرّض لها أميركا في حال دعمها لمشروع كردستان، ضمان الأكراد كحليف قوي لها ولـ»إسرائيل» في المنطقة؟ بما أن علاقة هذه الأخيرة بالأكراد قديمة, كما كشفت مصادر إسرائيلية، ورغم نفي القيادات الكردية لهذه العلاقة. هل تجازف أميركا باشتعال المزيد من المعارك في الدول ذات الأكثرية الكردية، وعلى رأسها تركيا؟ أم أن هذه التصريحات الأميركية غير الرسمية، ومشروع كردستان الكبرى، هي مجرد دغدغة أحلام الأكراد واستغلالهم أو كسبهم لجهتها في الوقت الراهن؟ هل تلعب معهم لعبة الحلفاء نفسها مع الآشوريين (شعب العراق الأصيل) اذ وعدوهم بدولة مستقلة ليساندوهم في حربهم ثمَ تخلُوا عنهم وتركوهم وحدهم يواجهون الأتراك والأكراد والإيرانيين؟! ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل اتهموهم بالعمالة في زمن لا يختلف عن زماننا، حيث يحدد الأقوى هوية العميل، ويشرعها أو يحرّمها وفقا لمصالحه!
ولو صدقت أميركا بوعدها للأكراد، فعلينا أن لا نستبعد فكرة تجدد أحلام الآشوريين، سكان العراق الأصليين بالمطالبة بدولة آشورية، علما أنهم القومية الثالثة في العراق من حيث العدد، لو تمَ الاعتراف بالمهاجرين منهم، كما أنهم أقدم أمة حضارية من بين الأمم العراقية، وعددهم في العالم اليوم نحو 3.2 ملايين نسمة.
من يدري؟ قد تتبدل الأوضاع السياسية ويجدون دعما لهم، أو قد تتحقق نبوءة التوراة حيث يؤمن اليهود أن الذي سيهدم دولتهم سيكون آشوريا!
وما الذي يمنع القوميات الأخرى في العراق من المطالبة بالانفصال؟ ما هي الحلول الممكنة أو التي تم اقتراحها؟ الفيدرالية هي إحداها، ولكن هل هي الحل المثالي لإعطاء كل قومية حقوقها؟ وهل ينجح النظام الفيدرالي في العراق كما في سويسرا؟ أم أن استيراد نماذج غربية إلى مجتمعاتنا العربية قد لا ينسجم مع طبيعة شعوبنا، المتشبثة بالدين قبل القومية؟ هل هو صراع قوميات أم صراع طائفي؟ ولماذا نخشى دائما الخطر الإيراني (الشيعي) ونتجاهل الخطر الطوراني الذي لايزال يعتبر الموصل جزءا من خرائطه وامتدادا لديار بكر؟
فهل تحل الفيدرالية معركتنا الطائفية؟
وهل أن الحل البديل للأميركيين هو قيام كردستان الكبرى والقضاء على الأقليات الضعيفة؟ وهل يصمت الأشوريون عن كل ما يعانونه من اضطهاد وقتل وتهجير وتكريد وتعريب إضافة إلى إعلام مغيّب عن شعب على وشك الانقراض؟
هل يسمح هذا الشعب بزواله أم ينتفض من جديد ويثور مطالبا بحقه كإنسان قدم حضارة عظمى للتاريخ؟
هل من الممكن قيام كردستان أو آشور ثانية في هذا الزمن؟
وختاما من منّا يتفق مع كارل ماركس حين قال: «كل شيء ممكن، وليس هناك ما هو مستحيل، فالمستحيل هو المستحيل نفسه»؟!
إقرأ أيضا لـ "كاتيا يوسف"العدد 2078 - الأربعاء 14 مايو 2008م الموافق 08 جمادى الأولى 1429هـ