أدارت وعود حكومة التحالف الباكستانية الجديدة بدء حوار مع المتشددين الكثير من الرؤوس.
يبدو أن لدى الحكومة الجديدة برئاسة نواز شريف وعاصف زرداري زوج الراحلة بناظير بوتو وجهة نظر مختلفة عن مكافحة الإرهاب. وهو أمر يفزع واشنطن ويغضبها. إليك سبب وجوب أن نهتم بهذا الموضوع.
نجد أنفسنا اليوم في حالة مضطربة ثقافيا وعسكريا وبشكل كارثي في وزيرستان، المنطقة القبلية الملتهبة في شمال غربي الباكستان. لم تؤدِّ المطالب الأميركية من الجيش الباكستاني استخدام المزيد من القوة في المنطقة إلى أية نتيجة على رغم امتثال الرئيس برويز مشرف. أصبحت الهجمات الانتحارية خارجة عن السيطرة وانتشر العنف إلى خارج المنطقة القبلية إلى مدن مثل لاهور وإسلام آباد.
جرت ترجمة النتائج المزرية على أنها انعكاس للّطف في التصرف، ولكن واقع الأمر هو أن التوجه نفسه هو المعرض للوم.
أخبرنا صانعو السياسة في واشنطن أنه يتوجب علينا الاختيار ما بين الاستسلام أو النصر في المناطق القبلية.
إذا أخذنا الاستسلام فستحكم «طالبان» في خلافة جديدة، ومع النصر تصبح الدولة بأكملها كتلة من الركام ويُدفَن أسامة بن لادن في مكان ما تحت الأنقاض.
إلا أن هذا خيار ثنائي زائف أوجده عدم القدرة على التعلم من دروس الماضي أو إجراء تحليل ثقافي بسيط.
لقد أسيء فهم المناطق القبلية في الباكستان، التي يسكنها البشتون، من قبل الغرب بل وحتى من قبل الكثير من الباكستانيين في المدن لسنوات طويلة. قلة هم الذين يفهمون أن الطالبان هم مجموعة حديثة جدا في تاريخ تلك المنطقة، وأنه يُنظر إليهم ككينونة مسيطرة غير مرحَّب بها في الثقافة التقليدية المحلية.
وجرت السيطرة على الزعماء الدينيين تاريخيا من قبل الزعماء القبليين والمسئولين الحكوميين. ولكن بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، أصيب هذا النظام المتداعي أصلا بضربة نهائية قاضية من قبل مشرّف والولايات المتحدة على شكل عمليات قصف مستمرة. نتيجة لذلك غابت حكومة الخدمة المدنية القديمة وانتهى وجودها في وزيرستان، بعد أن قام مشرف بتفكيكها لصالح الجيش، وتم تهميش الزعامة القبلية التقليدية.
وأسرع رجال الدين من «طالبان» لملء الفراغ، مستخدمين خطاباتهم النارية لإثارة عواطف السكان الذين فقدوا كل الثقة بأن تفهم الحكومة الباكستانية مصادر قلقهم.
كما ساعدت الولايات المتحدة كذلك على إذكاء النيران القبلية من خلال دعم الحكومات التي يديرها غير البشتون في الباكستان وأفغانستان. يشعر رجال القبائل من البشتون بأنهم محاصرون في عدة وجهات، وبأنهم يهاجَمون ببساطة بسبب عرقهم. ولأنهم مسلمون، فهم يشعرون بأن الإسلام معرض للهجوم وهم يسعون للدفاع عنه.
كما استفحلت الأمور نتيجة للتسميات المشوّشة التي نطلقها على العدو. يبقى الخط بين رجال القبائل من البشتون والطالبان و»القاعدة» غير محدد إلى درجة خطيرة.
الولايات المتحدة وحلفاؤها واقعون في مشكلة عميقة. مع كل يوم يمر من دون فهم لموقف رجال القبائل وما يحاربون من أجله، يصبح هدف إلقاء القبض على بن لادن وتأمين الحدود مع أفغانستان أكثر صعوبة ومراوغة.
وهذا لا يعني «استرضاء» هؤلاء الذين يسعون لإلحاق الأذى بأميركا، وإنما «إدارة» الأمور بشكل أكثر فعالية. هذا يعني دمج التهديد بالقوة مع جهود الحصول على احترام القبائل والامتداد للتواصل معها والعمل ضمن إطارها الثقافي والديني. ويمكن للوضع كذلك أن يتحسن إلى درجة كبيرة إذا تم تكريس كميات كبيرة من المعونة الأميركية للتعليم والتنمية بدلا من الإنفاق العسكري الفاشل الذي كلّف الولايات المتحدة أكثر من 10 مليارات من الدولارات منذ الحادي عشر من سبتمبر.
يظهر لنا التاريخ أن استيعاب المناطق القبلية في النظام الرسمي أمر مستحيل، للبريطانيين أكان أو للباكستانيين، إذا لم يجرِ اتباع هذه الإجراءات والأساليب. يجب كذلك تطبيق هذا التوجه على مجتمعات قبلية أخرى إذ تعمل الولايات المتحدة، من أفغانستان إلى العراق إلى الصومال.
إذا لم يجرِ تخطيط مسار جديد، فستستمر الولايات المتحدة في مسيرتها الدولية نحو الكارثة. ليس قصف رجال القبائل المسلمين بالقنابل من دون توقّف من دون فهم من الذي يجري قصفه فعليا ولماذا، لا يشكل «واقعية». إنها سياسة سيئة.
هذا التعامل المبسّط مع أعدائها أدى إلى تدمير سمعة الولايات المتحدة عالميا، وإذا استمر فسيؤدي إلى تدمير مستقبلنا. كأميركيين شباب يهمهم المستقبل، لا نستطيع السماح بهذه السياسات الفاشلة أن تستمر بإفساد القرن المقبل.
فرانكي مارتن/ خريج من الجامعة الأميركية ومساعد باحث بكلية الخدمات الدولية في الجامعة.
هيلي ولت/ طالبة في السنة الرابعة بجامعة جورج تاون. عمل كلاهما ميدانيا في بحوث لكتاب «رحلة في الإسلام: أزمة العولمة» الذي ألفه أكبر أحمد (بروكنغز، 2007)، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2078 - الأربعاء 14 مايو 2008م الموافق 08 جمادى الأولى 1429هـ