وأنا أتابع صفحات إحدى الصحف المحلية استرعى انتباهي ملحق كامل مليء بالصور الملونة الجذابة لعدد من الصحافيين والصحافيات في حفل بهيج عبرت عنه ابتساماتهم العريضة و(البوزات) المتقـنة... حسبت أن هذا الاحتفال هو لترويج نوع جديد من معاجين الأسنان التي تجعل أسنانك أنصع بياضا... بحسبما أوحت به تلك الصور الباسمة. تابعت القراءة لأكتشف أن ذلك الاحتفال أقيم بمناسبة توقيع وثيقة «براءة ذمة» يعلن فيها الصحافيون والصحافيات التزامهم والتزامهن بالوقوف ضد أية كتابات تروج أو تحث على الطائفية... ولفت انتباهي أن التجمع ضم صحافيين ورؤساء تحرير ومسئولين اعلاميين، بل وضم بعض الوزراء والمستشارين... وبذلك اتحدت السلطة التنفيذية مع السلطة الرابعة (الصحافة) في محاربة هذا المرض الطارئ على مجتمعنا.
الكل يدرك ان الطائفية وباء ابتلينا به وزادت حدته مع هبوب الرياح الخانقة والسامة من النار المستعرة في بلدان جوارنا... والكل يقدر الخطوة المباركة التي تبنتها جمعية الصحافيين لدينا، ولا يمكن تجاهل دورها في لم شمل 200 قلم صحافي قاموا بتوقيع الاتفاق، كما أنه ليس من الإنصاف إنكار دور وزير الإعلام جهاد بوكمال في مساندة ودعم هذه الخطوة، وتوقيعها بنفسه تقديرا للمشاركين فيها.
ومع إجماع كل العاملين في الصحافة وقرائها على ان محاربة الطائفية ركن هام من أركان بناء الدولة واستقرارها وتماسكها وحفظها من مخاطر العبث بأمنها من الداخل والخارج فإن الأمل يحدونا أن تكون هذه هي الخطوة الأولى لاجتثاث وعلاج كل أوبئة الجسم الصحافي المثقل (من البعض) بالاستغلالية والانتهازية والوصولية وقذف وسب وتشهير من تشاء مؤسساتهم تدميره وإزاحته عن طريق تسلطها واحتكارها للرأي والمنافع، خصوصا بعد أن تم إلغاء عقوبة الحبس وجعلنا ثمن سمعة الناس وكرامتهم رهن مبالغ زهيدة تدفعها بكل سهولة ويسر تلك المؤسسات التي لن يكلفها تشويه وشرشحة المواطنين سوى مبلغ لا يزيد عن سعر اعلان صغير في الصفحات المبوبة.
نرجو من مجلسي النواب والشورى ألا يغيب عنهم أن من بين الصحافيين من هو مخلص لمهنته ولضميره وبينهم كذلك من يجعل منها سلما لمنافعه الخاصة غير عابئ بالآخرين، وهي بذلك مثل كل مهنة فيها الحسن والرديء، فلا يجوز وضع الكل في قالب واحد.
أمام المجلسين حاليا قانون للصحافة والنشر... نرجو أن يكون هذا القانون متوازنا يجمع بين حرية الصحافيين من دون أن يتجاهل حماية المواطنين، وبذلك تكون الصحافة الحرة الملتزمة قد تخلصت من الشوائب وحفظت لكل ذي حق حقه، ولنا ثقة بأن أعضاء المجلس، كما هي السلطة التنفيذية، حريصون على حماية الصحافة من كل من يستغلها لمنافعه الخاصة بقدر اهتمامهم بالحفاظ على كرامة المواطنين، فكرامة الوطن من كرامة مواطنيه. وهذا هو مقياس الصحافة المستنيرة.
كنا نتمنى أن يكون تجمع الصحافيين تحت شعار «صحافيون ضد التجاوزات»... أما الكتابات التي تحمل طابع الطائفية فلا تحتاج إلا لجرة قلم من رئيس تحرير الصحيفة يبين فيها «عدم صلاحية الموضوع للنشر»... وكفى، من دون الحاجة إلى تجمع احتفالي ضخم يتبنى قضية لا اختلاف بشأنها ومتفق عليها من الجميع... إلا إذا كان هناك تجمع آخر لا نعلمه يضم «صحافيين مع الطائفية». وليس من المستبعد وجود تجمّعات لا نعلم عنها باسم صحافيين مع الانتهازية وصحافيين مع من دفع وصحافيين بلا ضمير!
تحية لكل العاملين والعاملات في صحافتنا مع التهنئة بيوم الصحافة العالمي... وكل عام والجميع بخير... خصوصا من كان منهم «ضد الطائفية» في أي موقع كان.
إقرأ أيضا لـ "سلمان صالح تقي"العدد 2077 - الثلثاء 13 مايو 2008م الموافق 07 جمادى الأولى 1429هـ