لعلّ من الصعب في هذه الأيام على من يعمل في السياسة في بلداننا المتسممة أجواؤها بالطائفية أن ينشط من دون أن يكون طائفيا. ولكن التحدي الأكبر لمن يقدس شرف الكلمة وشرف العمل من أجل الوطن ومن أجل الخير، أن ينجح في الابتعاد عن المواقف الطائفية على الرغم من المصائد التي توضع في طريقه.
ومن المؤسف أن العمل النيابي لدينا يكرس الطائفية؛ وكأنه صُمِّم من أجل أهدافٍ طائفية، ولأن النتيجة تتبع المحتوى الكامن في الداخل، نرى ان كيفية إدارة الاستجوابات تتم بصورة طائفية، وبعض الاتفاقات لا تتعدى كونها كمائن ضمن مجموعة من الخطط التي تستهدف اصطفافا طائفيا. ولكن كل هذا ممكن ان يفشل فيما لو تقدم البعض إلى الأمام وتحرك بروح غير طائفية. وقد يبدو هذا المطلب مستحيل التحقيق في ظل الظروف الضاغطة، ولكن الإرادة الكامنة لدى أكثرية الناس إنما هي إرادة الخير، وهذه تم طمرها تحت تراب الطائفية البغيضة وينبغي ألا تبقى تحت الأرض.
الاختلاف يوم أمس في مجلس النواب كان بشأن أمرين، الأول يتعلق بطلب تشكيل لجنة تحقيق في قناة الموت (سترة)، وهو ما وافق عليه المجلس الأسبوع الماضي، وكان المفترض أن تشهد جلسة أمس تسمية أعضاء لجنة التحقيق. ولكن تم تحويل الأمر إلى النيابة العامة، وهذا قد يعتبر تنازلا نيابيا عن صلاحيات ممنوحة له ضمن الإطار الحالي. وعلى الرغم من تشكيل اللجنة لاحقا، فإن الأمر ليس واضحا فيما إذا كانت ستنتظر قرار النيابة العامة أو ستبدأ عملها مباشرة.
الأمر الآخر يتعلق بآلية التصويت على الاستجوابات، إذ إن أكثرية النواب ألغوا توصية لجنة الشئون المالية والاقتصادية بعدم إدانة الوزير منصور بن رجب، وقرروا الإدانة. ربما ان هذا من حقهم، ولكن التلوين الطائفي واضح لأن الذين تحمسوا لإدانة بن رجب كانوا (من حيث المبدأ) ضد استجواب الوزير الشيخ أحمد بن عطية الله آل خليفة. والخطوة القادمة بعد الإدانة السياسية للوزير بن رجب هي سحب الثقة ولكن هذه تحتاج إلى 27 صوتا، وهو صعب التحقيق، ولكن الإدانة السياسية تكفي لهز الموقع الوزاري المعني بالإدانة.
الوضع يبدو أنه ينطلق على أساس طائفي فقط من الطرفين... ولكن الواقع، أن الأمر ليس طائفيا بحتا، وإنما له علاقة بالمصالح، التي تطورت الى تحالفات وتمترس خلف الخطوط الطائفية. لا شك أن هناك من يتمنى أن تحدث الأفعال وردود الأفعال على نهج يحفظ مصالحه وتحالفاته الخاصة، ولكن هذا فخ طائفي ينبغي أن نبتعد عنه انتصارا للوطن.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2077 - الثلثاء 13 مايو 2008م الموافق 07 جمادى الأولى 1429هـ