العدد 2076 - الإثنين 12 مايو 2008م الموافق 06 جمادى الأولى 1429هـ

الأزمة اللبنانية بحاجة إلى حل عربي - عربي

علي الشريفي Ali.Alsherify [at] alwasatnews.com

-

معارك لبنان توشك على الانتهاء، بعد أن صار لزاما على الجميع الجلوس على طاولة الحوار والاتفاق على مستقبل البلد، فلبنان بلا اتفاق يعني حربا أهلية وقتال شوارع يكون الخاسر فيه كل من لم يتفق أو بمعنى آخر كل اللبنانيين. لكن كيف يمكن أن يبدأ حوار الأطراف المتنازعة في لبنان؟

القضية اللبنانية معقدة، كما أكد ذلك وزير الخارجية الفرنسي أمس، لكنها تبقى قابلة للحل ما دامت هناك نية للاتفاق من اللبنانيين أولا، ومن الدول العربية والدول ذات العلاقة ثانيا.

مهما قال اللبنانيون عن إمكان حل الأزمة داخليا، يبقى هذا الكلام ناقصا ما دام للأطراف الخارجية قوة الدفع والمنع، هكذا هي حال لبنان منذ قرون، فالكنيسة فيها كانت قوية بالإيطاليين ومن بعدهم صارت للموارنة سلطة من خلال الفرنسيين الذين سلموا البلد لهذه الطائفة لمدة 30 عاما، مثلما كان للعثمانيين دور في رسم ملامح قوة أهل السنة ولإيران دور في دعم الشيعة حتى وإن كان ضعيفا، وتاريخ البلد لا ينكر ذلك فالأحداث والوقائع تؤكد ذلك.

منذ قرون والحالة اللبنانية هكذا لم تتغير، ويبدو أنها لن تتغير، ما زال أهل البلد يصرون على الوحدة برغم عدم تجانس الشعب لا دينيا ولا مذهبيا ولا عرقيا، وهي أسباب كان يمكن أن تقسم أي بلد شرقي مثل لبنان منذ عشرات السنين.

لقد ورث لبنان من بين ما ورث أدوارا إقليمية وأوروبية ترسم ملامح الحكم والقوة والسلطة فيه، فهي إذا توافقات دولية غالبا ما يكون أهل البلد محكومون بها، حتى وإن كانوا لا حول لهم بها ولا قوة.

نعود فنقول إن الاتفاق الخارجي لا بد منه لتحقيق التوافق بين الأطراف اللبنانية، فهي التي تقوي كل طرف ضد الآخر، وهي التي في أغلب الأحايين تفرض سطوتها لتحديد مسارات العمل السياسي فيه، وهذا الوضع يفهمه اللبنانيون وتعايشوا معه منذ قرون بشكل أو بآخر، لكنه بدأ يظهر بشكل واضح منذ أن كان لبنان من حصة فرنسا في اتفاقية سايكس بيكو، فمثلا زعيم الطائفة الدرزية وليد جنبلاط ما كان ليطلق حربه الإعلامية منذ سنين لو لم يكن يعرف أن فرنسا ودولا غربية تسانده في كل ما يقول، ورئيس الوزراء فؤاد السنيورة وتيار 14 مارس/ آذار ما كانوا ليرفضوا مطالب المعارضة لو لم يفهموا أن معظم التيار العربي والغربي يقف ضد المعارضة في لبنان، والمعارضة اللبنانية بقيادة حزب الله ما كانت لتصر على مواقفها في الحصول على مكاسب سياسية أو حتى القيام بعملية عسكرية صيف 2006 لو لا معرفتها أن الدول الرافضة للتنازل لـ «إسرائيل» تدعم توجّه المعارضة اللبنانية ومستعدة لمساندتها بالمال والسلاح.

القرار الدولي المعني بالشأن اللبناني لا يقل تعقيدا عن القرار الداخلي، فالدول المتداخلة في لبنان منقسمة بشأن مستقبل هذا البلد الذي ما زال يمثل آخر جبهة مفتوحة أمام «إسرائيل»، وهي تنقسم فيه بين فريقين أحدهما (سورية وإيران) يرى أن استمرار المقاومة وعدم تسليم البلد لـ «إسرائيل» وأميركا هو الطريق المناسب لتحقيق أهداف لبنان والدول الرافضة للحلول الأميركية، وفريق ثانٍ (الدول الموقعة على اتفاقية السلام مع «إسرائيل» والمتفقون معهم) يرى أن المعارضة أساس الداء في لبنان، وهكذا يستمر الخلاف الخارجي على ما هو في الداخل ليتحول لبنان من بلد التوافقات إلى بلد التناقضات.

إذا إنهاء العنف في لبنان بحاجة إلى تفاهمات خارجية قبل الحديث عن اتفاق لبناني - لبناني، وإذا أردنا أن نكون واقعيين بشأن ما يجري من أحداث داخلية وتجاذبات خارجية، فيجب أن نقول إن الاتفاق لا يمكن أن يمر أو ينجح دون أن يكون لسورية مقعد رئيسي على طاولة الاتفاق حتى وإن رفضت أميركا ذلك، والدول العربية قد تفعل ما لا تقبل به أميركا. فعلى الرغم من الدعوات الأميركية للدول العربية لإصدار بيان من مؤتمر وزراء خارجية جامعة الدول العربية الذي انعقد في القاهرة قبل يومين يدين المعارضة وحزب الله، إلا أن المؤتمر رفض الإملاءات الأميركية ونجح هذه المرة في الوقوف بمسافة واحدة من كل الأطراف اللبنانية، فصار صوت العرب مسموعا عند أقصى المعارضة مثلما صار من يسمعه عند أقصى الموالاة.

إذا افترضنا أن التقارير الصحافية الغربية بشأن استمرار تدفق السلاح من إيران إلى حزب الله عبر سورية صحيحة، وإذا افترضنا أن سورية وإيران يشكلان حلفا مشتركا مع حزب الله اللبناني وحماس الفلسطينية، فإن هذا يفرض على الباحثين عن حلول سياسية في لبنان الجلوس إلى سورية والاتفاق معها على حل عربي مشترك ينهي الخلافات العربية قبل لبنان.

المحور السوري الإيراني ليس ضعيفا كما يظن البعض، فهو مبني على علاقات استراتيجية واقتصادية متينة تمتد لثلاثين عاما مضت، ومن الصعب خرقها إلا بتغير واضح وكبير في سياسة الدول العربية قبل الأميركية في المنطقة، وهو أمر يبقى صعبا إذا كانت الدول العربية مازالت مقتنعة بالمنطق الأميركي.

الدول العربية لم ينصتوا لإملاءات وزيرة الخارجية الأميركية في مؤتمر وزراء الخارجية العرب، وهم الآن بحاجة إلى موقف أبعد من الموقف الأميركي، فعليهم أن يبدأوا الحوار مع سورية، فالشواهد تؤكد أن حل الأزمة اللبنانية يمر عبر البوابة السورية، فهي من تملك علاقات تاريخية وجغرافية مع لبنان، وهي تبقى الأقرب لإيجاد الحل، أما التقافز عليها ففيه ما فيه من ضياع للوقت ودماء اللبنانيين.

إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"

العدد 2076 - الإثنين 12 مايو 2008م الموافق 06 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً