الإعلام العربي يتخبط كما تتخبط السياسة العربية في هذه المرحلة البائسة من التاريخ. وبفعل البلاء الطائفي، أضعنا بوصلتنا واستبدلنا أعداءنا الذين أذلونا ستين عاما، واحتلوا أراضينا وطردوا إخواننا الفلسطينيين... استبدلناهم بأعداء آخرين.
اليوم... يخرج بعض الإعلاميين الدجّالين على الدكاكين الفضائية، ليتحدّثوا بلسان صهيوني مبين. ففي الوقت الذي انقطعت الكهرباء عن قطاع غزة، وجفّت آخر قطرة وقود في محطة الطاقة، بفعل الحصار الإسرائيلي المدعوم من بعض دول «الطوق»، يخرج أحدهم ليقول بكل وقاحة: «لقد تم احتلال بيروت كما تم احتلال غزة على يد إيران»! وهو الكلام الذي أطلقه أول ما أطلقه الإسرائيليون، في إثارةٍ مفضوحةٍ لنار الفتنة المذهبية بين المسلمين، فالإيرانيون هم الذين احتلوا فلسطين في 1948، وهم اليوم يحكمون الحصار حول غزّة ويمنعون عنها الدواء والغذاء، حتى خرج الغزيّون الجياع على الحدود يحطمونها.
إن إيران دولةٌ لها وعليها، لكن أن نضع عليها كل أخطاء السياسات العربية، وفشل الساسة العرب وانقساماتهم على بعضهم، فهذا افتئاتٌ على حقائق الأمور، وتضليلٌ للشعوب العربية واستخفافٌ بالعقول.
الإعلام العربي اليوم يطلب من المقاومة اللبنانية أن تنام على القذى، وتستمر في بلع الإهانات من أقزام السياسة والمتعاونين مع العدو المتربص ببلادهم. هذا الإعلام يريد للمقاومة أن تنام، وتنتظر الضربة القاصمة، كما حدث في الستينيات، حين كان ضباط الجيش المصري يسهرون حتى الفجر على أغاني «يا ليل يا عين»، وتأتي «إسرائيل» لتمحو سلاح الطيران في ظرف ساعتين، وتنهي «حرب الأيام الخمسة» في خمس ساعات فقط، ليخرج الإعلام قائلا إن قواتنا على مشارف تل أبيب!
مطلوبٌ من «حزب الله» أن ينام ويسلّم سلاحه طوعا، بينما انتهت «إسرائيل» توا من تصفية الرجل الثاني في الحزب، لأن حكومة ضعيفة لا تقدّّر العواقب قد قرّر بعض أطرافها أن يزيدوا جرعة مناكدتهم ومناكفتهم للمقاومة.
مطلوبٌ من المقاومة أن تفكّك شبكة اتصالاتها امتثالا للأوامر الأميركية والرغبات الإسرائيلية الواردة في تقرير «فينوغراد»، الذي أوصى بتصفية هذه الشبكة قبل التفكير بأي حرب مقبلة. ويأتي أحد أمراء الحرب الأهلية السابقة ليكون رأس الحربة في خاصرة المقاومة، ويخرج وزير الإعلام ليعلن عن ملاحقة كلّ من يقف وراءها... حتى العمّال «المياومين».
مطلوبٌ من المقاومة أن تنام، وهي تسمع خبرا عن اعتراف «إسرائيل» بفشلها في اصطياد «هدف كبير» بالضاحية الجنوبية في الخامس والعشرين من الشهر الماضي. وعليها أن تكتفي بإصدار بيان إدانةٍ خجول، وهي ترى أقزام السياسة اللبنانية يعلنون الحرب على وجودها، ويهددون ويتوعدون بملاحقة قادتها وعناصرها، بعد أن نجحت في تحرير الأرض، وطرد الغازي المحتل. حكومةٌ كان أحد وزرائها الصغار يلعب «الأتاري» عندما بلغته غارات الطيران الإسرائيلي في بداية حرب تموز، فقال: «خلهم يصطفلوا... خلصونا منهم»!
اليوم... الإعلام العربي الذي لم يتعلّم من تجارب فشله وإخفاقاته، يكرّر أخطاءه وخطاياه، زائدا عليها مظاهر الإصابة بالعفن الطائفي، فيخرج بعض من وقّع قريبا على ميثاق محاربة الطائفية، بمانشيتات تعلن الحرب على «عصابات حزب الله»... فلم يبقَ إلاّ الزمّارون في هذا الزمان!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2076 - الإثنين 12 مايو 2008م الموافق 06 جمادى الأولى 1429هـ