العدد 2076 - الإثنين 12 مايو 2008م الموافق 06 جمادى الأولى 1429هـ

بيريز يدعو اللبنانيين إلى تجنُّب حرب أهلية!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

ثمة محوران سأتناولهما في مقال هذا الأسبوع. الأول، يتعلق بتصريح رئيس الكيان الصهيوني، شمعون بيريز يوم الجمعة الماضي، الذي اتهم فيه إيران بالوقوف وراء الاضطرابات التي شهدها لبنان، ودعوته (تخيَّلوا بيريز) اللبنانيين إلى تجنب حرب أهلية!

يضاف إلى تصريح بيريز، تعقيب زعيم حزب الليكود، وعضو الكنيست، وزير الخارجية السابق، سيلفان شالوم، على ما يجري في بيروت، مؤكدا أنه «يجب على العالم التدخل فورا لصالح المعتدلين، ومنع الاحتلال الإيراني للبنان»!

المحور الثاني يتصل بالتغطية الإعلامية التي افتقدت إلى أدنى درجة من الصدقية والمهنية والاحتراف من قبل إحدى القنوات الفضائية المحسوبة على إحدى دول مجلس التعاون الخليجي. ولذلك تفصيل سآتي عليه.

منذ الاجتياح الصهيوني للبنان العام 1982، وما حدث فيه من مجازر طالت اللبنانيين والفلسطينيين، ونسف ومحو البنية التحتية، مرورا باحتلال الجنوب، وليس انتهاء بالاختراقات الإسرائيلية لأجوائه... عناقيد الغضب العام 1996، وحرب تموز وما حدث فيها من فظاعات وتجاوزات، وما تكبده لبنان من خسائر في الأرواح والممتلكات، و «إسرائيل» لم تكف عن استفزازاتها، وحلمها بجعل لبنان مزرعة خلفية. كل ذلك لم يتحقق، ليس بفضل الدولة اللبنانية، وجاهزيتها للمواجهة، بل بفضل جاهزية المقاومة اللبنانية واستماتتها. بعد كل ذلك، وبعد كل تلك المجازر التي ارتكبتها «إسرائيل»، وفي أكثر من نسخة: «قانا 1»، «قانا 2»، كيف لرئيس دولة لقيطة وكريهة التجرؤ وبوقاحة بالغة على دعوة اللبنانيين إلى تجنب الحرب الأهلية؟ هل هي دعوة مبطنة إلى تلك الحرب؟ لاشك في ذلك.

ثم ما هو المقياس الذي تعتمده «إسرائيل» في تصنيف تلك الدول والقوى على أنها «معتدلة». مثل ذلك التصنيف يضع تلك الدول والقوى في خانة الشك، بل الخيانة. الاعتدال الذي تريده «إسرائيل» يعني فيما يعنيه، استعداد تلك الدول والقوى للدخول في حوار ليس بالضرورة أن يكون ماراثونيا لتقديم حزم - لا حزمة - من التنازلات، بل على استعداد لبيع الأخضر واليابس، طالما أن مصالحها محفوظة ومصانة. الاعتدال في المفهوم الصهيوني، هو القدرة والاستعداد المثاليين للتنازل عن الثوابت، واستمراء تقبل هذا الكيان اللقيط والسرطاني في المنطقة. الاعتدال بحسب المواصفات الصهيونية، استعداد الدول والقوى التي راهنت - وتراهن عليها - لمجاراة الأجندة الأميركية والصهيونية في المنطقة. الاعتدال يعني استعداد تلك الأنظمة والقوى للقبول بالشروط الإسرائيلية لتسوية القضايا العالقة في المنطقة. لم يعد الإعتدال حُسْن صفة من قبل كيان له تاريخه العريق في المجازر والانتهاكات. هو يعني فيما يعني، استعداد تلك الأنظمة لقبولها لاعبا رئيسيا ومحوريا في مصير وقضايا وملفات المنطقة.

دعوة رئيس الكيان الصهيوني اللبنانيين إلى تجنب الحرب الأهلية، لا يمكن أن تمرر هكذا لولا طبيعة الظرف الذي يعيشه لبنان، ولو كانت قوى 14 آذار هي المسيطرة على الموقف فلن يكلف رئيس الكيان الصهيوني، ولا رئيس حزب الليكود، ولا المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أنفسهم إصدار بيانات هي واحدة من علامات قيام الساعة!

منذ متى كانت «إسرائيل» حريصة على السلم الأهلي اللبناني؟ منذ متى كان أمير المجازر شمعون بيريز حريصا على تجنيب اللبنانيين حربا أهلية، لولا أن المعادلة لم تأتِ كما يشتهي الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية، ومن ورائهما بعض الأنظمة العربية؟

ذلك أمر، الأمر الآخر يرتبط بإحدى القنوات الفضائية المحسوبة على إحدى الدول الخليجية، إذ ضربت تلك القناة القيم المهنية والأخلافية بعرض الحائط، من خلال تغطيتها المنحازة والمكشوفة لمسار الأحداث في لبنان.

علينا أن نستفهم. ما الذي تريده تلك القناة برفعها يافطات أكبر بكثير من سقف ممارستها، وتعاطيها مع كثير من الحوادث، سواء في العراق، حيث أغلق مكتبها، أو في لبنان. لم تكن القناة على تماس مع الساذج والبسيط من شروط المهنة، وخصوصا مع تبنيها ورفعها شعار قوى 14 آذار: «انقلاب حزب الله!» في كل نشراتها الإخبارية.

حين تقرر القناة أن ما يحدث في لبنان هو «انقلاب» فيكفي أن يخرجها ذلك التقرير من خانة الصدقية والمهنية. دور وسائل الإعلام نقل الحدث كما هو بتجرد، من دون الاصطفاف وراء طرف دون آخر، ومن دون انتخاب متحدثين محددين يتبعون طيفا وطرفا، فيما موهبة إقصاء الطرف الآخر واضحة وبيِّنة ولا تقبل التأويل.

حدث الآتي: يوم الجمعة الماضي، استضافت القناة زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي هرف بما لا يعرف - كعادته - من مخبأ كليمنصو في بيروت - بدا كالذي شرق بالماء، لم تظهر صورته على الشاشة، لكنه كمن سيق إلى النار في بعثه! بعدها استضافت القناة المدعو مفتي صيدا وجبل عامل، علي الأمين، وهو الآخر لم يوفر مفردة لم يوظفها في هجومه على حزب الله وحركة أمل، ليأتي دور الصحافي في «النهار» والمذيع في تلفزيون المستقبل، علي حمادة. نشرة الأخبار قدمتها - مع الأسف الشديد - واحدة من أكفأ المذيعات العربيات قاطبة، على رغم قصر تجربتها وخبرتها. حاولت استغباء المشاهدين حين وصلتها الإشارة (مفبركة) من غرفة الأخبار تشعرها بكلمة زعيم التيار الوطني الحر، ميشيل عون، وخلال ثوان قررت المذيعة أن الكلمة انتهت! على رغم أن جميع القنوات الفضائية العربية المهمة قطعت تغطيتها وبرامجها ونشرات أخبارها لتنقل الكلمة، والقناة بالمناسبة لا تفوِّت كلمات مباشرة بهذه الأهمية، أو حتى غير المهمة، سواء داخل لبنان أو خارجها، من حامد قرضاي في أفغانستان، إلى كلمة الرئيس الأميركي بوش حين يتوعك كلبه! لكن هذه المرة تشاغلت القناة بالعنوان العريض «انقلاب حزب الله» والتغطية الموجهة، إذ بدت متحدثا رسميا باسم قوى 14 آذار، وتلك هي المهنية والصدقية «يا عيب الشوم»!

لم ولن ألوم هيئة الإذاعة البريطانية - القسم العربي - في مفارقة وتوجه غريب في التغطية، لأنها في النهاية تمثل دولة تورطت بالأجندة والموقف الأميركي في المنطقة. مملكة عظمى لا سيادة لها في ظل العنت والصلف الأميركي، بحيث بدت دولة من دول العالم الثالث، لكن أن يصدر الموقف من قناة تأسست - بوهم - مناكفة وترويض قناة الجزيرة، لتتحول إلى متحدث رسمي باسم قوى وصفها رئيس الكيان الصهيوني بـ «المعتدلة»، فذلك أسفل العار وقاعه.

بقي أمر أخير لم أشر إليه في بداية المقال يتعلق بالنشاط الحيوي منقطع النظير، بتداعي إحدى الدول العربية لعقد اجتماع لوزراء الخارجية العرب (عقد يوم الأحد الماضي) أي خلال أقل من 48 ساعة من تطور الأحداث في لبنان، فيما الجامعة العربية بكل هيلمانها، ووزراء الخارجية الذين كانوا يصطافون في الريفيرا وكان ونيس وماربيا، لم يحرك فيهم ساكنا عدوان تموز الذي استمر ثلاثة وثلاثين يوما، وكاد لبنان أن يمسح من على الخريطة. هذا التنادي يبعث على الشك والقلق، لأنه يتحرك ضمن أجندة كريهة، وبإيعازات أميركية صرفة. فقط حاولوا أن تقلبوا موازين القوى فيما حدث في لبنان، لتكتشفوا الشهية من وراء ذلك التنادي! ولن نستغرب إذا ما انهالت على بيريز برقيات التهاني والعرفان بموقفه الإنساني الصارخ. الصارخ جدا!

ربما أستدرك هنا في إشارة سريعة إلى المركز الاجتماعي التابع إلى تيار المستقبل، الذي سيطرت عليه حركة أمل. مركز اجتماعي تم ضبط أسلحة فيه تكفي لمقاومة اجتياح، إضافة إلى مخازن النبيذ. ما هي علاقة المركز الاجتماعي بالسلاح والنبيذ؟ ربما هو لتخدير مراجعي المركز لنسيان حاجتهم، والرضا بوضعهم، وإلا فالكلاشينكوف كفيل بإرسالهم إلى حتف يريحون فيه ويستريحون!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 2076 - الإثنين 12 مايو 2008م الموافق 06 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً