حمَّل البنك الدولي الولايات المتحدة مسئولية ارتفاع أسعار الغذاء الذي يضر فقراء العالم عندما تضع السياسات التي تحوِّل جزءا كبيرا من محصولها من الذرة إلى إنتاج الوقود الحيوي. جاء ذلك على لسان رئيس البنك الدولي روبرت زوليك الذي قال صراحة: «إنه ينبغي للولايات المتحدة أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار».
وأبلغ زوليك مؤتمرا صحافيا في (مكسيكو سيتي) أنه يتعين على الولايات المتحدة «تقييم تأثير هذا على المنظومة الإجمالية للقضايا الإنسانية فيما يتصل بسعر المنتجات الغذائية».
يوافق زوليك فيما ذهب إليه، مجموعة التنمية «أوكسفام» الدولية التي تحمِّل أيضا الدول الغنية، ومن بينها الولايات المتحدة الأميركية بالطبع، مسئولية تأجيج أزمة الغذاء «لأنها خفضت من قيمة مساعداتها للدول النامية، وشجعت إنتاج الوقود الحيوي، الذي يعد مسئولا عن زيادة الطلب إلى النصف على الغذاء»، إذ حذرت المستشارة في «أوكسفام» إليزابيث ستيوارت من أن «تزايد الطلب من الدول الغنية على الوقود الحيوي يدفع أسعار الغذاء للصعود ويشكل أزمة كبيرة، وفي الوقت نفسه، هذه الدول خفضت قيمة مساعداتها للدول النامية (لذلك، فهم بخلاف ما يدعون) ... لا يساهمون في حل المشكلة».
وليست هذه هي المرة الأولى التي تنطلق فيها صيحات تحذر من سلبيات إنتاج الوقود الحيوي، فقبل ما يزيد من عام احتضنت (ساو باولو) على مدى يومين، لتغيير صورتها كعاصمة للإيثانول في العالم، «قمّة» تجمع مستثمرين وساسة وخبراء لمناقشة مستقبل الوقود الأخضر الذي يتمّ تسويقه على أنه بديل للبنزين. والموضوع الرئيسي الذي ساد، وفقا لـ «أسوشيتد برس»، هو الإجابة عن سؤال: كيف يمكن إنتاج طاقات بديلة وأنظف من النفط، من دون تهديد الأمن الغذائي؟.
وقبل ذلك حذر المستشار الخاص للأمم المتحدة جيفري ساكس من أن التوجه الأميركي قد ساعد على نحو مباشر في الزيادة الجنونية التي طرأت على أسعار المواد الغذائية «بسبب استخدام الأراضي الزراعية في زراعة محاصيل تستخدم في إنتاج الوقود الحيوي». وأشار ساكس إلى أن ثلث إنتاج الولايات المتحدة من الذرة هذا العام سيذهب إلى خزانات الوقود، ما يمثل ضربة قوية لإمدادات الغذاء في العالم، مؤكدا ضرورة خفض برامج إنتاج الوقود الحيوي.
وبدلا من معالجة المشكلة بشكل سليم، وجدنا وزارة الطاقة الأميركية ترصد في فبراير/ شباط الماضي، مبلغ 385 مليون دولار لإقامة ستة مشاريع على مدى أربع سنوات بهدف إنتاج إيثانول سيليلوزي وتجنب أزمة الذرة عن طريق إنتاج الوقود من القصب.
أما الرئيس الأميركي جورج بوش فقد سمعناه الأسبوع الماضي يمعن في تأييد سياسة الولايات المتحدة بشأن الوقود الحيوي مبررا ذلك بإن صناعة «الإيثانول الأميركية مسئولة عن جزء صغير فقط من التضخم في أسعار الغذاء».
وللعلم، يتركز إنتاج الإيثانول في الولايات المتحدة والبرازيل بنسبة ثلثي الإنتاج العالمي، إذ يمثل الإيثانول الأميركي المرتكز على الذرة نسبة 37 في المئة من الإنتاج العالمي فيما يمثل الإيثانول البرازيلي المرتكز على القصب السكري نسبة 35 في المئة من ذلك الإنتاج. كما تستأثر الصين بنسبة 7,7 في المئة من الإنتاج العالمي متبوعة بالهند بنسبة 7 في المئة.
ويشكل «جنون الإيثانول»، الذي بدأ يجتاح الولايات المتحدة باعتباره وقودا حيويا وصديقا للبيئة أرخص من البنزين، ضغوطا متزايدة على الإمدادات العالمية من الذرة. ليس هذا فحسب، بل يعمل أيضا على رفع أسعار المواد الغذائية، وخصوصا نبات الذرة، الذي يعد واحدا من أهم مصادر وقود الإيثانول، إلى جانب أن هذه المحاصيل تدخل في صناعة علف الحيوانات، وغيرها من المواد الغذائية.
السبب الذي تسوقه (واشنطن) للدفاع عن سياستها هذه هو «حرصها على حماية البيئة». إلا أن دراسة علمية جديدة نشرها، أستاذ هندسة البيئة بجامعة ستانفورد، مارك جاكوبسون تدحض تلك المزاعم وتؤكد أن التحول من «استخدام البنزين إلى الإيثانول، الذي يعتبر من وجهة نظر الكثيرين بديلا صديقا للبيئة، قد يساهم في تلوث الهواء ويزيد بالتالي من حالات الموت الناجمة عن الدخان الأسود الكثيف أو ما يعرف بالسخام».
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2075 - الأحد 11 مايو 2008م الموافق 05 جمادى الأولى 1429هـ