يقول عدد من الأصوات الجادة إن الوقت قد حان لتوجه جديد تجاه إيران. ناشدت السناتور ديان فاينستين ومسئولون سابقون كبار في الحكومة الأميركية الولايات المتحدة الدخول في مفاوضات مع إيران من دون شروط مسبقة، مقترحين في الوقت نفسه أفكارا للتغلب على الجمود السائد بشأن برنامج إيران النووي. وإذا أضفنا إلى ذلك استطلاعا جديدا يشير إلى أن الرأي العام في إيران والولايات المتحدة يعكس وجهات النظر هذه، يبدو أن الأوضاع جاهزة لجهود متجددة لتحسين العلاقات الأميركية الإيرانية.
وجد استطلاع أجرته «WorldPublicOpinion.org» بالتشارك مع «Search for Common Ground» في فبراير/ شباط الماضي غالبيات مهمة في إيران (57 في المئة) تقول إنها تفضل «محادثات مباشرة في قضايا ذات اهتمام مشترك» إيرانية أميركية، ويقول 69 في المئة إنهم يفضلون كذلك مفاوضات تركز على تحقيق الاستقرار في العراق.
يدعم الإيرانيون كذلك خطوات مختلفة أخرى لتحسين العلاقات الإيرانية الأميركية، وتفضل غالبيات كبرى المزيد من التجارة (64 في المئة) «ووصولا أوسع لصحافيي الطرفين» (70 في المئة)، و «المزيد من التبادلات الثقافية والتربوية والرياضية» (63 في المئة). ارتفعت جميع هذه الأرقام بشكل كبير منذ السنة الماضية.
وعلى رغم أن وجهات النظر تجاه الولايات المتحدة مازالت سلبية إلى درجة كبيرة، فإن الاستطلاع وجد بعض مؤشرات الذوبان. انخفضت نسبة معارضي الولايات المتحدة بشدة من الثلثين إلى النصف. وتعتقد غالبية متنامية (أصبحت 64 في المئة الآن) أن «بإمكان الثقافتين الإسلامية والغربية الوصول إلى أرضية مشتركة».
وقد تتعلق هذه النتائج بنشر تقديرات المخابرات الوطنية في الولايات المتحدة، التي توصلت إلى نتيجة أن إيران لا تطوّر الآن برنامج أسلحة نووية. وتقترح نتائج الكثير من الاستطلاعات تفسير الإيرانيين - على ما يبدو - ذلك على أنه انخفاض في تهديدات الولايات المتحدة باستخدام القوة العسكرية ضدهم.
ويظهر الجمهور الأميركي استعدادا مماثلا للدخول في علاقات أكثر قربا. تعرب غالبيات كبرى في استطلاعات «WorldPublicOpinion.org» أجرتها «Knowledge Networks» عن دعمها الخطوات المذكورة أعلاه كافة، بحيث يفضل 82 في المئة من المستَطلعين المحادثات المباشرة.
عند سؤال الأميركيين: كيف يتوجب على الولايات المتحدة التعامل مع الحكومة الإيرانية لم يفضل سوى 22 في المئة «التهديدات المبطنة بإمكان استخدام الولايات المتحدة القوة العسكرية ضدها»، على حين فضّل 75 في المئة «محاولة بناء علاقات أفضل».
القضية الشائكة طبعا هي برنامج إيران النووي وقدراته المتنامية على إنتاج الوقود النووي الذي يمكن استخدامه للطاقة الذرية، ويزيد التخصيب، في إنتاج أسلحة نووية.
أصّر ثمانية من كل عشرة إيرانيين جرى استطلاعهم بقوة على أن إيران يجب أن تكون لديها القدرة على إنتاج الوقود النووي للطاقة النووية. إلا أن معظمهم يوافق على موقف الحكومة بوجوب عدم إنتاج أسلحة نووية. الأهم من ذلك أن ستة من كل عشرة يقولون إن إنتاج الأسلحة النووية يخالف تعاليم الإسلام، وهو أمر ينسجم مع فتاوى أصدرها عدد من رجال الدين الإيرانيين البارزين.
ولا يخالف هذا فكرة أن بعض أعضاء الحكومة الإيرانية قد تكون لهم طموحات تجاه أسلحة كهذه. إلا أنها تكشف أن قد تم إرساء قواعد عملية منع الأسلحة النووية عموما في البيئة الأخلاقية والسياسية السائدة في إيران اليوم، وأن تغيير هذا الموقف سيواجه على الأرجح بعض المقاومة الجماهيرية. وبالمثل، قد يصعب على الحكومة أن ترفض ببساطة مقترحات مبنية على أن إيران لن تنتج الأسلحة النووية على حين تنتج الطاقة الذرية.
وقد وافقت السناتور ديان فاينستين على اقتراح قدمه المسئولون الحكوميون السابقون ويليام لويرز وتوماس بيكرنغ وجيم والش ينادي بإنشاء مرفق تخصيب متعدد الجنسيات داخل إيران تحت إشراف دولي واسع يعطي إيران القدرة على إنتاج الوقود النووي للطاقة ولكن ليس للأسلحة النووية.
وجرى عرض صفقة محتملة على المستَطلعين الإيرانيين يكون لإيران بموجبها حقوق محدودة في إنتاج الوقود النووي بشرط أن يكون للوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) سبل وصول كاملة ودائمة لضمان عدم إنتاج إيران أسلحة نووية. وقد ذكر 58 في المئة أنهم يدعمون صفقة كهذه، على حين عارضها 26 في المئة فقط.
ووافق على صفقة كهذه أميركيون وآخرون في استطلاع قامت به خدمة «بي بي سي العالمية» في 31 دولة، عبر «GlobeScan» و «PIPA». وقد وافق على الصفقة 56 في المئة من الفرنسيين وغالبية من الدول الأخرى المستَطلعة. وقد وجد استطلاع «بي بي سي» كذلك الخيارات الأقسى للتعامل مع إيران - مثل العقوبات الاقتصادية أو الضربات العسكرية - لا تحصل سوى على درجات منخفضة من الدعم.
لم يبقَ لإدارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش سوى فترة قصيرة في الحكم، وهي تواجه عدم رضا واسع بسياستها الخارجية. قد يكون توجه جديد نحو التحدي الإيراني واحدا من آخر الخيارات وأفضلها للإدارة لتحسين إرثها محليا وخارجيا من خلال المساهمة في عالم أكثر استقرارا.
*مدير WorldPublicOpinion.org، وهو مشروع بحوث دولي يديره برنامج مواقف السياسة العالمية بجامعة ميرلاند، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2075 - الأحد 11 مايو 2008م الموافق 05 جمادى الأولى 1429هـ