يبدو «العداء» بين الدولة، كسلطة، وجمعية الوفاق الوطني الإسلامية، كبيرا جدا جدا... لكنه «عداء» يحتمل أكثر من وجه وصورة وممارسة، غير أن الحقيقي منه... أي ذلك «العداء» أنه غير حقيقي!
ليس ذلك لغزا، لكن لنبدأ من حيث انتهينا... وأقصد هنا، انتهاء شكل من أشكال «العداء» المفترض بين الدولة و «الوفاق»، مع الاحترام للآراء التي تجعله عداء بين الجمعية و «شخصيات ذات نفوذ في الدولة» وليس مع القيادة أو السلطة... أي إسدال الستار على أشهر استجواب، وهو استجواب وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء الشيخ أحمد بن عطية الله آل خليفة، وتبرئته على رغم تقديم الجمعية مذكرة عاجلة بشأن تفاصيل الاستجواب.
فـ «الوفاق» كجمعية تمثل الثقل الأكبر للطائفة الشيعية في البلد - وأنا شخصيا لست عضوا فيها لكنني أتشرف بها – تتلقى الآن، بعد تبرئة الشيخ وقبله، الطعنات تلو الطعنات، ومن الجهات الأربع الرئيسية والفرعية، باعتبارها في نظر الموالاة خنجرا في خاصرة الدولة، وفي نظر من يطلق عليهم «المحسوبون على الحكومة» هي جمعية ذات مآرب وأهداف مشبوهة بالتنسيق مع دولة أجنبية، هي إيران بلا لف ولا دوران، وفي نظر نواب التصريحات الصحافية النارية هي «عصا في دولاب نهضة البلد وتطوره»، وهي في نظر مخالفيها «جمعية نفاق»، وفي أنظار آخرين: هي متآمرة، طائفية، صفوية، عميلة وأوصاف أخرى قد لا أستطيع عدَّها... وبعد، هي في نظر القلة القليلة من المعتدلين، جمعية تمثل صورة من صور الحراك السياسي والديمقراطي في البلد وفقا للقوانين ووفقا لمتطلبات ومنطلقات المشروع الإصلاحي لعاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، واتباع هذا الرأي، يرفضون كل الأوصاف والنعوت السابقة الذكر.
الآن، هل العداوة بين الدولة و «الوفاق» حقيقية أم لا؟
إذا قدر لنا أن نستعيد حضور الجمعية السياسي ومنهجها على مدى سنوات المشروع الإصلاحي السبع، بعيدا عن تقييم الأداء ونوعيته، وبعيدا عما إذا كانت من القوة بحيث تمثل الطائفة الشيعية، أو من الضعف بحيث تخيب آمالهم، لن نجد دليلا واحدا على أن هناك عداء بين الدولة وهذه الجمعية! مع وجود قائمة الاتهامات التي تمتلئ بها ملفات «الآخرين» والتي هي كفيلة قانونيا – لو كانت صحيحة – بأن تضع «الوفاق» وراء القضبان... أقلها تهمة التحريض على كراهية الدولة التي ما فتئ يرفعها أولئك «الآخرون»، وأكبرها التآمر مع دولة أجنبية.
العداء ليس حقيقيا! إذا، هل يمكن تحديد محركات ومولدات ذلك الاتهام؟ بالتأكيد هو أمر سهل، فمصادر الاتهام هي كالآتي:
- صحيفتان فقط في البلد، لا يخرج خطابهما عن كيل الاتهامات تلو الاتهامات للجمعية، وطوال السنوات الماضية، لم تتمكن هاتان الصحيفتان من إثبات جملة الاتهامات التي لاتزال قائمة!
- نواب، بل كتل نيابية بأسرها، لها مسار واحد في التعامل مع الجمعية، من دون اكتراث بالمصلحة العليا للوطن والمواطن، أو الاعتبار للسلم والاستقرار الاجتماعي والدفع في اتجاه تعزيز الممارسة الديمقراطية، لتصبح تلك الكتل بنوابها ندا قويا في صف «الموالاة» في وجه «المعارضة»... ذلك المسار باختصار: عداء «الوفاق» وحقدها على الدولة.
- منتديات إلكترونية مليئة بالأسماء المستعارة طبعا، وكأنها أنشئت فقط للنيل من الجمعية، فيصبح عملها في مواجهة الفساد وتقديم المقترحات وتنفيذ برامج عمل أو فعاليات، كلها طائفية بغيضة، ولا يجب أن ننسى كتابات بعض الزملاء الأعزاء من كتاب الأعمدة، وكأنه لا همَّ لهم، ولا قضية كبرى في حياتهم إلا جمعية الوفاق.
قد تكون هناك عوامل أخرى لا تحضرني، أو ربما أجهلها، لكن ما أعلمه يقينا، أن الدولة لا تعادي «الوفاق» والجمعية لا تعادي الدولة! ولعل هذا القول في حاجة الى برهان، والبرهان الذي لدي واستند إليه في انعدام ذلك العداء، هو اللقاءات التي عقدت بين «الوفاق» وجلالة الملك ورئيس الوزراء سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة والتي اعقبتها تصريحات من القيادة ليس فيها شيء من التخوين والتشكيك الممارس علنا ويوميا ضد «الوفاق»، فيما تعقد الجمعية لقاءات مستمرة مع كبار المسئولين في الدولة، ولقاءاتها مع وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، في مناسبات متعددة وفي اطار قضايا كثيرة مهمة، ليست خافية على أحد.
نعم، قد يكون هناك «أقطاب» في الدولة وفي السلطة التشريعية، وفي الخفاء، شخصيات، لديها عداء مع الجمعية، لكنه في نظري ليس عداء دولة، ولربما بدا واضحا أنني من المدافعين عن «الوفاق» هنا، لكن، بالنسبة إلى من يعتقد جازما بأن الوفاق (المتآمرة الطائفية التي تعمل على «تدمير البلد وتأخيره» بأدلتهم وبراهينهم الساطعة)... عليهم مقاضاة الوفاق بالقانون في المحاكم، حتى يتسنى لنا أن نوقف شكلا من أشكال الممارسة الطائفية الطافية في البلد، لأن شعب البحرين لم يعد يحتمل ذلك التهريج.
حتى لو كان «خربط بربط».
إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"العدد 2074 - السبت 10 مايو 2008م الموافق 04 جمادى الأولى 1429هـ