ماذا يعني لك أن يصل عدد سكان البحرين إلى مليون و47 ألف نسمة، وأنت الذي كنت تسمع وإلى سنوات قريبة أن عدد البحرينيين لا يتجاوز بضعة آلاف؟
كان السؤال عن عدد السكان لا يشكل هاجسا بالنسبة إلينا، وكنا دائما ما نختصر الإجابة بـ «البحرين صغيرة جدا وعدد سكانها كم ألف قد لا يصل إلى عدد سكان مدينة في دولة كبرى»، من دون أن نعر أي اهتمام لقلة العدد وإن شكل كثافة سكانية عالية عند مقارنته بالمساحة الإجمالية للدولة (أقل الدول سكانا أكبرها كثافة)... كنا «عايشين» ومع ذلك كنا نتذمر ونطالب بالمزيد!
واليوم، كأننا ننال جزاء «تكبرنا على النعمة التي كنا فيها»، فعدد السكان بات يشكل هاجسا مقلقا لراحتنا، والأدهى أنه بات يثير فينا «عصبيات قبلية» لم نكن لنفكر فيها سابقا على اختلاف مذاهبنا وتوجهاتنا وهوياتنا ومستوياتنا المعيشية... وكيف لأحد أن يلومنا؟
لو وضعنا في بالنا هذه الحسبة: أن كل شخص يولد يجب أن يوفر له منزل لأنه في يوم من الأيام سيكبر ويتزوج ويكون عائلة وهو بحاجة إلى سكن مستقل، ونحن كنا بضعة آلاف ومع ذلك فإن الكثيرين منا لم ينالوا نصيبهم في السكن تحديدا وظلوا منذ التسعينيات (إن لم يكن قبلا) إلى يومنا هذا يجددون مناشدتهم لوزارة الإسكان... واليوم وقد تضاعف العدد، مع تصريحات صاروخية بشحّ الأراضي لاستغلالها في إنشاء الوحدات الإسكانية... فأي خير نرتجي وأي أمل نترقب سواء لنا أو لأبنائنا؟!
ليت المسألة تقف عند السكن فحسب، ولكنها تتجاوز ذلك إلى توزيع ثروة الوطن على مواطنين كانت بالأساس، وهم بضعة آلاف، عاجزة عن الإيفاء بمتطلباتهم الأساسية للعيش الكريم، فما بالكم اليوم ونحن نواجه «تسونامي الغلاء» يقابله ضعف الأجور وقلة فرص العمل؟!، الأول رصدت له موازنة تقدر بـ 40 مليون دينار لمواجهته، والرقم في حد ذاته كان يجعلنا متفائلين أكثر لو بقي عددنا على ما كان عليه أو زاد قليلا، وسيدور في خلدنا عند مقارنة الرقم باختلاف عددي السكان أنه لو كان عددنا أقل لكان نصيبنا من الأربعين مليونا أكبر بكثير من 50 دينارا مازالت رهينة وزارة التنمية الاجتماعية التي نرأف لحالها، فالمسئولية التي وقعت على عاتقها ليست بالهينة أبدا، وخصوصا أن عدد المستحقين للعلاوة يشير إلى تردي الحال للغالبية العظمى من عدد السكان الجديد، الذين تدفعهم الحاجة إلى الإلحاح، والتأخير إلى ترويج الشائعات.
وفي الثانية (قلة فرص العمل)، نجد الأزمة في ازدياد، والمشروعات المطروحة لمواجهة الأزمة لم تؤتِ ثمارها بعد، بل ومع توالي الحوادث والوصول إلى أزمة الغلاء الحالية وما صاحبها من لغط بخصوص تحديد أسماء المستفيدين، ثارت حفيظة الكثير من المواطنين ليتساءلوا: كيف أمكن للحكومة الإلكترونية أن تحصر عدد الذين يحق الخصم من رواتبهم قيمة واحد في المئة نظير التأمين ضد التعطل، في حين عجزت عن حصر عدد المستحقين لعلاوة الغلاء؟ وغيرهم انبرى ليقول: الأقربون أولى بالمعروف وما يخصم من راتبي قد أقبل أن أهبه إلى أبناء وطني من دون منٍّ حتى وإن كان الواحد في المئة ذاك يعادل ثروة بالنسبة إليّ، لكن هل يضمن لي أحد أنه سيذهب إلى أخي من بني وطني، أم إلى المحسوب على الوطن وعلى أبنائه؟! ليجيبه آخر: طمئن نفسك، كون العاطل لا يمكن أن يكون إلا من بني جلدتك، أما الدخيل (فإكرامه واجب) ولا تمنح له هوية وطنك إلا ومعها الضمانات كافة لعيشه الرغيد هو وأسلافه من نسله!
وطبعا لا يمكننا أن نتغاضى عن الأزمة الصحية التي نواجهها وإن لم يعترف بها بالشكل المطلوب، ويكفينا أن نذكر أن المليون و47 ألفا يخدمهم مجمع طبي واحد هو المؤهل لاستقبال جميع الحالات الطارئة، ولا يسعنا المجال لتكرار ما يعانيه أصلا من مشكلات ليست بالهينة التي لم يلتفت إلى حلها إلى الآن إلا بكلام «مأكول خيره»... وللتعليم قصة أخرى الشاهد عليها حوادث اعتداء وضرب بالسكاكين ما كانت لتحدث من قبل، ولهجات مختلطة وعادات مختلفة يضيع في دهاليزها أبناؤنا الطلبة.
هذا ما يعنيه لنا تجاوز عدد السكان المليون نسمة... مزيدا من الفقر والعوز والتشرد وضياع الحقوق، ونفوس يزيدها «الإحساس بالظلم» حنقا وحسدا وحقدا.
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 2073 - الجمعة 09 مايو 2008م الموافق 03 جمادى الأولى 1429هـ