للطب الشعبي، أو الطب البديل «شعبية» لدى قطاعات عريضة من الناس، فكثير من الناس يعتبرونه وسيلة فعالة لمكافحة الأمراض، من دون حاجة الى زحمة الذهاب إلى المستشفيات والوقوف في طابور الصيدليات، ومن ثم تحمل مضاعفات الأدوية في حال حصولها. فالمستحضرات العشبية لا تحمل ضررا كبيرا، وإن لم تنفع فلن تضر. ومن الواضح أن أكثر جهة تؤمن بهذا المبدأ هي مدارس البحرين الممتدة في كل المناطق، والتي أخذت على عاتقها على ما يبدو إحياء ظاهرة «الأدوية الشعبية» في المدارس، فأصبح «المرقدوش» لديها علاجا لكل داء يشتكي منه طالب أو طالبة أثناء الدوام الرسمي، حتى يذهب إلى منزله ليتصرف والداه في مرضه ذاك.
أكدت وزارة التربية والتعليم مرارا وتكرارا تنسيقها المستمر مع وزارة الصحة في توفير ممرضات للمدارس يتابعن حالات الطلبة، وعلى رغم هذه التأكيدات، يعرف كل من يرتبط بتعامل مباشر مع مدارس البحرين أن هذا التنسيق لا مكان له على أرض الواقع. فلا تفتقر المدارس فقط إلى ممرضات متخصصات للكشف على الطلبة، بل تفتقر حتى الى تدريب المشرفات الاجتماعيات على استقبال أبسط أنواع الحالات المرضية.
حدثتني مشرفة إدارية في إحدى المدارس بأن طالبة في المرحلة الابتدائية تعرضت فجأة في إحدى الحصص لأعراض غريبة انتفخت فيها عيناها وبدأت ترتجف، وارتجفت معها المدرسة التي كانت تقدم الحصة خوفا، وسقطت الاثنتان معا، فتوجهت بعض الطالبات لإدارة المدرسة طلبا للمساعدة، ولكن من أين المساعدة والجميع لا يعرف ما الذي كان يجري. وبسرعة تم تدارك الموقف وأخذت الطفلة إلى المستشفى حيث تبين أنها مصابة بأعراض مرض السكري، وهو المرض المنتشر انتشار النار في الهشيم في مجتمعنا، والذي يفترض أن يتعرف الجميع على كيفية التعامل مع أعراض هبوطه وارتفاعه، فما بالك بمدرسة كاملة لا يوجد فيها من تدرب على أساسيات التعامل مع هذا المرض؟
منذ يومين اتصلت ولية أمر تبكي وضعها المزري، فهي امرأة عاملة يعاني ولدها من مرض السكري أيضاَ، وفي كل مرة يعاني فيها من نوبة انخفاض أو ارتفاع يتصلون بها من المدرسة للحضور، فتخرج كالمجنونة من عملها لتقود السيارة بأقصى سرعة لتدارك موقف ابنها، والتعرف على نوعية الأعراض هل هي هبوط أم ارتفاع في السكري.
في قانون حماية حقوق الطفل الذي رفعته لجنة المرأة والطفل في مجلس الشورى خلال دور الانعقاد الجاري للحكومة تعرضت بعض التفصيلات لهذه الجزئية، لكي تلزم مدارس وزارة التربية والتعليم بتوظيف ممرضة أو ممرضتين على الأقل في كل مدرسة لمتابعة حالات الطلبة والطالبات صحيا. فدور المشرفة الاجتماعية ليس دورا صحيا، بل دور اجتماعي نفسي يتطلب تخصصا مختلفا عن التخصص الذي يتطلبه دور الممرضة. إن تفعيل بنود هذا القانون وخصوصا فيما يتعلق بهذا الموضوع أمر ملح للغاية، فكم من الحالات كان يمكن تجنب مضاعفاتها لو تم إسعافها بشكل سليم، أو التعرف على أعراضها مبكرا والتعامل معها بشكل صحيح؟ إن التخصص أمر مطلوب وهو توجه عالمي حديث، فما دامت المشرفة الاجتماعية تقوم بأدوار خارج نطاق دورها الطبيعي، ومادام طاقم المدرسة يفتقر إلى أبسط المعلومات والتدريب في المعلومات الصحية والإسعافات الأولية، فسيستمر «المرقدوش» هو الدواء المفضل والمشروب السحري الذي يفترض به أن يعالج كل الأمراض والأعراض.
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 2073 - الجمعة 09 مايو 2008م الموافق 03 جمادى الأولى 1429هـ