التصريح الذي أدلى به سمو رئيس الوزراء أخيرا أو الأمنية التي أطلقها عند اجتماعه مع رؤساء تحرير الصحف المحلية وأعضاء مجلسي إدارة جمعية الصحفيين البحرينية ونادي مراسلي وسائل الإعلام الأجنبية في البحرين، وعدد من الصحافيين بمناسبة اليوم العالمي للصحافة الذي يصادف الثالث من مايو/ أيار، والذي قال سموه فيه «أتمنى أن أزور جميع قرى البحرين بسيارتي الخاصة ولوحدي لأطلع عن كثب على هموم المواطنين واحتياجاتهم، وأنا واثق أنه لن يأتيني خطر من بحريني في أي مكان».
هذا التصريح جعلني أفكر كيف سيكون حال البحرينيين لو باشر سمو رئيس الوزراء بتنفيذ أمنيته.
حال البحرينيين (لو نفذت الأمنية) ذكرني بفيلم (طباخ الريس) الذي يعرض حاليا في دور السينما المصرية والذي حالفني الحظ في مشاهدته في أول أيام عرضه.
«طباخ الريس» أحد الأفلام المصرية، بطولة الممثل المصري الكبير طلعت زكريا، والذي يلعب الدور الرئيسى في الفيلم وأجاد دور الرئيس حسني مبارك.
أول ما قرأت عنوان الفيلم لم أفهم حينها الدلالات المستوحاة من قصة الفيلم الحقيقية، كنت أظن أن هناك طباخا ويطبخ للرئيس أشهى المأكولات ولضيوفه من باب الاستمتاع بلذة الأكل.
تفكيري لم يذهب إلى حيث الدهاليز السياسية أو دراسة الأوضاع الاجتماعية من خلال دور بسيط لأحد أبطال الفيلم بدور طباخ للرئيس، لدرجة أنني كنت جدا مترددة في دخوله، ولكن عندما شاهدته وجدته بأنه يستحق المشاهدة، لكونه مرآة تعكس هموم وأوجاع وظروف الشعوب العربية بلا استثناء، كما أنه يجسد حلما لطالما تمنت الشعوب العربية أن يتحقق، وفرحت لبقاء الحلم والأمنية وهذا بالطبع ليس ببعيد على قائد يعد المواطن هما من همومه ووجعا من أوجاعه يحمل هم استقراره ومعيشته، وما قصة الـ 40 مليون (علاوة الغلاء) عنا ببعيدة.
واقع الحال أننا وللأسف الشديد اعتدنا أن نرى حكامنا والقادة أكثر في الإعلام وأن نجدهم محاطون بالحرس والأمن لدرجة أننا حتى في الإعلام لا نستطيع التركيز على شخص الحاكم لأن هناك الكثير من الأجزاء المكونة للصورة، وعندما نجد الحكام ينزلون ميدانيا إلى إحدى القرى أو المدن في الزيارات الميدانية الاستطلاعية أو حتى التجوال في الشوارع نجد أن هناك بروتوكولات أخرى لا حصر لها، لا تقل عما وصفناها سابقا بل تزيد فلا نستطيع أن نلمح صورتهم الحقيقية.
أمنية رئيس الحكومة اليوم تأتي على غرار أمنية (الريس) في الفيلم، فرئيس الحكومة ينوي النزول للتجوال في القرى والمدن بصورة شخصية بلا تشريفات أو أمن ثقة منه في شعبه الذي يكن له كل الحب والتقدير، أظن أن الأمنية صادقة وأن الحلم حقيقي ولكن لابد أن هناك إرادات محاطة وأجواء تفرض نفسها ليس فقط على أحلام الشعوب المستضعفة وإنما حتى على أحلام القادة السياسيين، هذا ما وجدته بنفسي في الفيلم، إذ إن حاشية (الريس) حاولت جاهدة أن تمنعه من تحقيق حلمه، وكانت إرادته الأقوى، فصار أن نزل إلى الشارع لوحده ولكنه لم يجد من الشعب المصري الذي يصل إلى ما لا يقل عن 85 مليون نسمة أحدا يتجول في الشارع لكون حاشيته أعلنت عبر وسائل الإعلام كافة أن هناك إشعاعات خطيرة وبذلك تعطل جميع الوزارات، وهناك تعليمات مشددة على ضرورة البقاء في البيوت وعدم التعرض لأشعة الشمس وسيكون مصير من يخرج إلى الشارع هو العمى، ولا يوجد أشد من أن يشعر الإنسان بأنه سيفقد بصره.
كل تلك التحركات جاءت فقط لمنع التقاء (الريس) بالشعب مباشرة ليطلع على همومهم وأوجاعهم، وكشف زيف التقارير التي يتم تسليمها إلى الحكومة، واصفين حال الشعب المعيشية بالجيدة، اللهم إلا من طباخ فقير يعجب به (الريس) ويأتي به رغما عن كل الآراء التي قيلت عنه إلى القصر، ويحاول أن يسرب إليه بعض الأخبار المحلية بصدق، ويهدد أخيرا بالطرد بحجة مرضه المعدي وخوفا على سلامة (الريس).
فيلم طباخ الريس يعكس حال الأنظمة العربية بصفة عامة، أستطيع أن أقول إن المخرج نجح نجاحا كبيرا في إبراز الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لجمهورية مصر العربية في عهد الرئيس مبارك، فكان الإخراج موفقا.
لكن الفيلم بالغ في بعض الأمور وربما ذلك لا نجده فقط في الأفلام، سبقه في ذلك أحد الأعمال التلفزيونية السورية في مسلسل «يوميات مدير عام» عندما تنكر الممثل السوري أيمن زيدان بهدف معرفة موظفيه ومدى قدرتهم على تحمل المسئولية وإخلاصهم من عدمه في المؤسسات التي يعملون فيها من قرب وليس من خلال تقارير مكتوبة أو شفهية، فكان أن رأى عجبا، بعكس ما كان يسمع ويقرأ ممن يحيطون به من مستشارين، فكل واحد من مصلحته أن يجمّل الصورة لصالحه الخاص؛ ليبقى في النهاية هو البطل أو المنتصر، أو الذي يستحق التقدير.
فيلم طباخ الريس يحكي تنكر الريس ليلامس بنفسه حجم المعاناة التي يعاني منها المواطن المصري هل هي حقيقية أم خرافة، فالصحافة تقول شيئا والحاشية تقول شيئا آخر.
المستشارون يصرون إصرارا كبيرا على أن ما يقولونه هو الكلام الدقيق والخالي من المبالغة وبالتالي المطلوب من (الريس) أن ينام قرير العين وأن يكافئهم على جهودهم الكبيرة، في حين أن المواطن المصري يموت في اليوم الواحد ألف مرة، فالفقر والأمية والأوضاع الصحية والنفسية لقطاع كبير من المصريين في أسوأ أحوالها.
الرواتب شحيحة والأزمات لاتزال مكانك سر وعلى رأسها أزمة السكن والبطالة والازدحام المروري، ولا ننسى حجم التظاهرات التي تمت في الشارع المصري احتجاجا على موجة الغلاء وضعف الأوضاع المعيشية.
تمنى الشعب المصري إلى حد ما فعلا أن يتحول فيلم طباخ الريس إلى حقيقة، وبدورنا، نتمنى أن تجد أمنية رئيس الوزراء طريقها إلى التحقيق ليتلمس بنفسه وبلا رتوش الأوضاع المعيشية التي يعاني منها البحريني والتحديات الكبيرة التي تواجهه، نستطيع أن نقول إن إهتمام سمو رئيس الوزراء ورعايته المباشرة ستكون بمثابة البلسم الشافي للكثير من المعاناة، ليست هناك شكوك في ذلك.
لن نكون في حاجة إلى طباخ ريس، ولن نحتاج وقتها إلى فيلم سينمائي، لأن الواقع أبلغ من الصور والرسوم.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2073 - الجمعة 09 مايو 2008م الموافق 03 جمادى الأولى 1429هـ